كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 27)

إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.
مَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ ذُو شُعَبٍ: فَإِنَّ فِيهَا بَيَانًا لِجُمْلَةِ وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَعَوْدًا إِلَى جُمْلَةِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَتَأْكِيدًا لِمَضْمُونِهَا وَتَوْطِئَةً لِتَفْرِيعِ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا [النَّجْم: 29] .
وَاسْتُعِيرَ الِاتِّبَاعُ لِلْأَخْذِ بِالشَّيْءِ وَاعْتِقَادِ مُقْتَضَاهُ أَيْ مَا يَأْخُذُونَ فِي ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلِ الظَّنِّ الْمُخْطِئِ.
وَأُطْلِقَ الظَّنُّ عَلَى الِاعْتِقَادِ الْمُخْطِئِ كَمَا هُوَ غَالِبُ إِطْلَاقِهِ مَعَ قَرِينَةِ قَوْلِهِ عَقِبَهُ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ آنِفًا.
وَأُظْهِرَ لَفْظُ الظَّنَّ دُونَ ضَمِيرِهِ لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا فَتَسِيرَ مَسِيرَ الْأَمْثَالِ.
وَنَفْيُ الْإِغْنَاءِ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْإِفَادَةِ، أَيْ لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنَ الْحَقِّ فَحَرْفُ مِنْ بَيَانٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِينِ أَعْنِي شَيْئًا.
وشَيْئاً مَنْصُوبُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِ يُغْنِي.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَقَّ حَقَائِقُ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَإِدْرَاكُهَا هُوَ الْعِلْمُ (الْمُعَرَّفُ بِأَنَّهُ تَصَوُّرُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ) وَالظَّنُّ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ الْإِدْرَاكَ بِذَاتِهِ فَلَوْ صَادَفَ الْحَقَّ فَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الصُّدْفَةِ وَالِاتِّفَاقِ، وَخَاصَّةً الظَّنَّ الْمُخْطِئَ كَمَا هُنَا.
[29، 30]

[سُورَة النَّجْم (53) : الْآيَات 29 الى 30]
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30)
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.
بَعْدَ أَنْ وَصَفَ مَدَارِكَهُمُ الْبَاطِلَةَ وَضَلَالَهُمْ فَرَّعَ عَلَيْهِ أَمر نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وَصْفِ ضَلَالِهِمْ كَانَ نَتِيجَةَ إِعْرَاضِهِمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَهُوَ

الصفحة 116