كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 27)

وَجُمْلَةُ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الرِّيحَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ شَيْءٍ يُبَيِّنُ الْمُعَرَّفَ، أَيْ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ تَدْمِيرِهَا إِلَّا فِي حَالٍ قَدْ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ.
وَالرَّمِيمُ: الْعَظْمُ الَّذِي بُلِيَ. يُقَالُ: رَمَّ الْعظم، إِذْ بَلِيَ، أَيْ جَعَلَتْهُ مُفَتَّتًا.
وَالْمَعْنَى: وَفِي عَادٍ آيَةٌ لَلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ إِذْ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ.
وَالْمُرَادُ: أَنَّ الْآيَةَ كَائِنَةٌ فِي أَسْبَابِ إِرْسَالِ الرِّيحِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ أَسْبَابُ تَكْذِيبِهِمْ هُودًا وَإِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ وَقَالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت: 15] ، فَيَحْذَرُ مِنْ مِثْلَ مَا حَلَّ بِهِمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ. وَأَمَّا الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فَهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ كَمَا أَصَرَّتْ عَادٌ فَيُوشِكُ أَنْ يَحُلَّ بِهِمْ مِنْ جَنْسِ مَا حلّ بعاد.
[43- 45]

[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 43 إِلَى 45]
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)
أُتْبِعَتْ قِصَّةُ عَادٍ بِقِصَّةِ ثَمُودَ لِتَقَارُنِهِمَا غَالِبًا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ثَمُودَ عَاصَرَتْ عَادًا وَخَلَفَتْهَا فِي عَظَمَةِ الْأُمَمِ، قَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ [الْأَعْرَاف: 74] وَلِاشْتِهَارِهِمَا بَيْنَ الْعَرَبِ.
وفِي ثَمُودَ عَطْفٌ عَلَى فِي عادٍ أَوْ عَلَى تَرَكْنا فِيها آيَةً.
وَالْمَعْنَى: وَتَرَكْنَا آيَةً لَلْمُؤْمِنِينَ فِي ثَمُودَ فِي حَالٍ قَدْ أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ، أَيْ فِي دِلَالَةِ أَخْذِ الصَّاعِقَةِ إِيَّاهُمْ، عَلَى أَنَّ سَبَبَهُ هُوَ إِشْرَاكُهُمْ وَتَكْذِيبُهُمْ وَعُتُوُّهُمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، فَالْمُؤْمِنُونَ اعْتَبَرُوا بِتِلْكَ فَسَلَكُوا مَسْلَكَ النَّجَاةِ مِنْ عَوَاقِبِهَا، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَإِصْرَارُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ سَيُوقِعُهُمْ فِي عَذَابٍ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَتْ فِيهِ ثَمُودُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذُكِرَ هُنَا هُوَ كَلَامٌ جَامِعٌ لِمَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ صَالِحٌ رَسُولُهُمْ وَذَكَّرَهُمْ بِهِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً [الْأَعْرَاف: 74]

الصفحة 12