كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 27)

فَأَصْلُ: أَنَى أَنِيَ وَأَصْلُ آنَ: آوِنَ وَآلَ مَعْنَى الْكَلِمَتَيْنِ وَاحِدٌ.
وَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ، أَيْ أَلَمْ يَأْنِ لِأَجَلِ الَّذِينَ آمَنُوا الْخُشُوعُ، أَيْ أَلَمْ يَحِقَّ حُضُورُهُ لِأَجْلِهِمْ.
وأَنْ تَخْشَعَ فَاعِلُ يَأْنِ، وَالْخُشُوعُ: الاستكانة والتذلل.
ولِذِكْرِ اللَّهِ مَا يُذَكِّرُهُمْ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ هُوَ الصَّلَاةُ. وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ الْقُرْآنُ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الْأَنْفَال: 2] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفَانِ لِلْقُرْآنِ تَشْرِيفًا لَهُ بِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ وَتَعْرِيفًا لِنَفْعِهِ بِأَنَّهُ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ الْحَقُّ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ عَطْفُ وَصْفٍ آخَرَ لِلْقُرْآنِ مِثْلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ أَنْشَدَهُ فِي «الْكَشَّافِ» :
إِلَى الْمَلِكِ الْقِرْمِ وَابْنِ الْهَمَّامِ ... الْبَيْتَ وَاللَّامُ فِي لِذِكْرِ اللَّهِ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ لِأَجْلِ ذِكْرِ اللَّهِ.
وَمَعْنَى الْخُشُوعِ لِأَجْلِهِ: الْخُشُوعُ الْمُسَبَّبُ عَلَى سَمَاعِهِ وَهُوَ الطَّاعَةُ وَالْامْتِثَالُ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَما نَزَلَ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ نَزَلَ مَعْلُومٌ مِنَ الْمَقَامِ، أَيِ اللَّهُ.
وَلَا يَكُونُوا قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِيَاءِ الْغَائِبِ. وَقَرَأَهُ رُوَيْسٍ عَنْ يَعْقُوبَ وَلَا تَكُونُوا بِتَاءِ الْخِطَابِ.
وَلَا نَافِيَةٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَالْفِعْلُ مَعْمُولٌ لِ «أَنْ» الْمَصْدَرِيَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ قَبْلَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَمْ يَأْنِ لَهُمْ أَنْ لَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ. وَعَلَى قِرَاءَةِ رُوَيْسٍ عَنْ يَعْقُوبَ فَتَاءُ الْخِطَابِ الِالْتِفَاتُ وَ (لَا) نَافِيَةٌ، وَالْفِعْلُ مَنْصُوبٌ بِالْعَطْفِ كَقِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، أَوْ (لَا) نَاهِيَةٌ وَالْفِعْلُ مَجْزُومٌ وَالْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ.
وَالْمَقْصُود التحذير لَا أَنَّهُمْ تَلَبَّسُوا بِذَلِكَ وَلَمْ يَأْنِ لَهُمُ الْإِقْلَاعُ عَنْهُ. وَالتَّحْذِيرُ

الصفحة 391