كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 27)

وَالْجُمْلَةُ مُفِيدَةٌ لِلْقَصْرِ بِدُونِ ضَمِيرِ فَصْلٍ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَالْمُسْنَدِ مِنْ طُرُقِ الْقَصْرِ، فَالْقِرَاءَةُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ تُفِيدُ تَأْكِيد الْقصر.
[25]

[سُورَة الْحَدِيد (57) : آيَة 25]
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
اسْتِئْنَاف ابتدائي ناشىء عَمَّا تَقَدَّمَ مِنَ التَّحْرِيضِ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ الله وَعَن ذكر الْفَتْحِ وَعَنْ تَذْيِيلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الْحَدِيد: 24] ، وَهُوَ إِعْذَارٌ لِلْمُتَوَلِّينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِيَتَدَارَكُوا صَلَاحَهُمْ بِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّدَبُّرِ فِي هَدْيِ الْقُرْآنِ وَإِنْذَارٌ لَهُمْ إِنْ يَرْعَوُوا وَيَنْصَاعُوا إِلَى الْحُجَّةِ السَّاطِعَةِ بِأَنَّهُ يَكُونُ تَقْوِيمُ عِوَجِهِمْ بِالسُّيُوفِ الْقَاطِعَةِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ لَهُمْ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [60، 61] لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ
الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ [9] يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَحْسَبُوا أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الْحَدِيد: 24] مُجَرَّدَ مُتَارَكَةٍ فَيَطْمَئِنُّوا لِذَلِكَ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِلَامِ الْقِسْمِ وَحَرْفِ التَّحْقِيقِ رَاجِعٌ إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْخَبَرُ مِنْ ذِكْرِ مَا فِي إِرْسَالِ رُسُلِ اللَّهِ وَكُتُبِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْقِسْطِ لِلنَّاسِ، وَمِنَ التَّعْرِيضِ بِحَمْلِ الْمُعْرِضِينَ عَلَى السَّيْفِ إِنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى غَلْوَائِهِمْ.
وَجَمْعُ (الرُّسُلِ) هُنَا لِإِفَادَةِ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، وَأَنَّ مُكَابَرَةَ الْمُنَافِقِينَ عَمَايَةٌ عَنْ سُنَّةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ فَتَأْكِيدُ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَنْزِيلِ السَّامِعِينَ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ رُسُلًا قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ حَالَهُمْ فِي التَّعَجُّبِ مِنْ دَعَوَاهُ الرِّسَالَةَ كَحَالِ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ رُسُلًا مِنْ قَبْلُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ مِثْلُ هَذَا فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ [آل عمرَان: 183] .

الصفحة 415