كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 27)

كَإِيمَانِهِمْ بِعِيسَى وَهُوَ مُتَمِّمٌ لِلْإِيمَانِ بِعِيسَى وَإِنَّمَا ضُوعِفَ أَجْرُهُمْ لِمَا فِي النُّفُوسِ مِنَ التَّعَلُّقِ بِمَا تَدِينُ بِهِ فَيَعْسُرُ عَلَيْهَا تَرْكُهُ، وَأَمَّا فِي جَانِبِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ إِكْرَامٌ لَهُمْ لِئَلَّا يَفُوقَهُمْ بَعْضُ مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّصَارَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَحْمَتِهِ صِفَةً لِ كِفْلَيْنِ وَتَكُونُ (مِنْ) بَيَانِيَّةً، وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَاف، تَقْدِيره: من أثر رَحمته، وَهُوَ ثَوَابُ الْجَنَّةِ وَنَعِيمُهَا.
وَقَوْلُهُ: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ تَمْثِيل لحالة الْقَوْمِ الطَّالِبِينَ التَّحْصِيلَ عَلَى رِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْفَوْزِ بِالنَّعِيمِ الْخَائِفِينَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي ضِدِّ ذَلِكَ بِحَالَةِ قَوْمٍ يَمْشُونَ فِي طَرِيقٍ بِلَيْلٍ يَخْشَوْنَ الْخَطَأَ فِيهِ فَيُعْطَوْنَ نُورًا يَتَبَصَّرُونَ بِالثَّنَايَا فَيَأْمَنُونَ الضَّلَالَ فِيهِ. وَالْمَعْنَى:
وَيَجْعَلْ لَكُمْ حَالَةً كَحَالَةِ نُورٍ تَمْشُونَ بِهِ، وَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ مِثْلُ: كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ.
وَالْمَعْنَى: وَيُيَسِّرْ لَكُمْ دَلَالَةً تَهْتَدُونَ بِهَا إِلَى الْحَقِّ.
وَجَمِيعُ أَجْزَاءِ هَذَا التَّمْثِيلِ صَالِحَةٌ لتَكون استعارات مُفْردَة، وَهَذَا أَبْلَغُ أَحْوَالِ التَّمْثِيلِ، وَقد عرف فِي الْقُرْآن تَشْبِيهُ الْهُدَى بِالنُّورِ، وَالضَّلَالِ بِالظُّلْمَةِ، وَالْبُرْهَانِ بِالطَّرِيقِ، وَإِعْمَالِ النَّظَرِ بِالْمَشْيِ، وَشَاعَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقُرْآنِ فِي كَلَامِ أُدَبَاءِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَالْمَغْفِرَةُ: جَزَاءٌ عَلَى امْتِثَالِهِمْ مَا أُمِرُوا بِهِ، أَيْ يَغْفِرْ لَكُمْ مَا فَرَطَ مِنْكُمْ مِنَ الْكفْر والضلال.
[29]

[سُورَة الْحَدِيد (57) : آيَة 29]
لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
اسْمُ أَهْلُ الْكِتابِ لَقَبٌ فِي الْقُرْآنِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ لَمْ يَتَدَيَّنُوا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِذَا أُضِيفَ إِلَيْهِ (أَهْلُ) ، فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: أَهْلُ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ، فَمَنْ صَارَ مُسْلِمًا مِنَ

الصفحة 429