كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 27)

وَالْمُسْرِفُونَ: الْمُفْرِطُونَ فِي الْعِصْيَانِ، وَذَلِكَ بَكُفْرِهِمْ وَشُيُوعِ الْفَاحِشَةِ فِيهِمْ، فَالْمُسْرِفُونَ: الْقَوْمُ الْمُجْرِمُونَ، عَدَلَ عَنْ ضَمِيرِهِمْ إِلَى الْوَصْفِ الظَّاهِرِ، لِتَسْجِيلِ إِفْرَاطِهِمْ فِي الإجرام.
[35- 37]

[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 35 إِلَى 37]
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَيْسَتْ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ بَلْ هِيَ تَذْيِيلٌ لِقِصَّةِ مُحَاوَرَةِ الْمَلَائِكَةِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَالْفَاءُ فِي فَأَخْرَجْنا فَصِيحَةٌ لِأَنَّهَا تُفْصِحُ عَنْ كَلَامٍ مُقَدَّرٍ هُوَ مَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ هُودٍ مِنْ مَجِيءِ الْمَلَائِكَةِ إِلَى لُوطٍ وَمَا حَدَثَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ، فَالتَّقْدِيرُ: فَحَلُّوا بِقَرْيَةِ لُوطٍ فَأَمَرْنَاهُمْ بِإِخْرَاجِ مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَخْرَجُوهُمْ. وَضَمِيرُ «أَخْرَجْنَا» ضَمِيرُ عَظَمَةِ الْجَلَالَةِ.
وَإِسْنَادُ الْإِخْرَاجِ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُبَلِّغُوهُ لُوطًا، وَلِأَنَّ اللَّهَ يَسَّرَ إِخْرَاجَ الْمُؤْمِنِينَ وَنَجَاتَهُمْ إِذْ أَخَّرَ نُزُولَ الْحِجَارَةِ إِلَى أَنْ خَرَجَ الْمُؤْمِنُونَ وَهُمْ لُوطٌ وَأَهْلُهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ.
وَعبر عَنْهُم ب الْمُؤْمِنِينَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ إِيمَانَهُمْ هُوَ سَبَبُ نَجَاتِهِمْ، أَيْ إِيمَانُهُمْ بلوط. وَالتَّعْبِير عَنهُ ب الْمُسْلِمِينَ لأَنهم آل نبيء وَإِيمَانُ الْأَنْبِيَاءِ إِسْلَامٌ قَالَ تَعَالَى:
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [الْبَقَرَة: 132] .
وَضَمِيرُ فِيها عَائِدٌ إِلَى الْقَرْيَةِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً مِنْ آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الْفرْقَان: 40] .
وَتَفْرِيعُ فَما وَجَدْنا تَفْرِيعُ خَبَرٍ عَلَى خَبَرٍ، وَفِعْلُ وَجَدْنا مَعْنَى عَلِمْنَا لِأَنَّ (وَجَدَ) مِنْ أَخَوَاتِ (ظَنَّ) فَمَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ (مِنَ) مَزِيدَةٌ لَتِأْكِيدِ النَّفْيِ وَقَوْلُهُ: فِيها فِي مَحَلِّ الْمَفْعُولِ الثَّانِي.

الصفحة 7