كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 27)

وَقَالَ: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الْملك: 5] .
وَالْقَسَمُ بِ النَّجْمِ لِمَا فِي خَلْقِهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي [الْأَنْعَام: 76] .
وَتَقْيِيدُ الْقَسَمِ بِالنَّجْمِ بِوَقْتِ غُرُوبِهِ لِإِشْعَارِ غُرُوبِ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ الْعَظِيمِ بَعْدَ أَوْجُهٍ فِي شَرَفِ الِارْتِفَاعِ فِي الْأُفُقِ عَلَى أَنَّهُ تَسْخِيرٌ لِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الْأَنْعَام: 76] .
وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ إِذا هَوى بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ النَّجْمِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النَّجْمِ أَحْوَالُهُ الدَّالَّةُ عَلَى قُدْرَةِ خَالِقِهِ وَمُصَرِّفِهِ وَمِنْ أَعْظَمِ أَحْوَالِهِ حَالُ هُوِيَّهِ، وَيَكُونُ إِذا اسْمَ زَمَانٍ
مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِحَرْفِ الْقَسَمِ، وَبِذَلِكَ نَتَفَادَى مِنْ إِشْكَالِ طَلَبِ مُتَعَلِّقِ إِذا وَهُوَ إِشْكَالٌ أَوْرَدَهُ الْعَلَّامَةُ الْجَنْزِيُّ (¬1) عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ، قَالَ الطِّيبِيُّ وَفِي «الْمُقْتَبَسِ» قَالَ الْجَنْزِيُّ: «فَاوَضْتُ جَارَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى مَا الْعَامِلُ فِي إِذا؟ فَقَالَ: الْعَامِلُ فِيهِ مَا تُعَلَّقُ بِهِ الْوَاوُ، فَقُلْتُ: كَيْفَ يَعْمَلُ فِعْلُ الْحَالِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا لِأَن مَعنا أُقْسِمُ الْآنَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أُقْسِمُ بَعْدَ هَذَا (¬2) فَرَجَعَ وَقَالَ: الْعَامِلُ فِيهِ مَصْدَرٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَهُوِيِّ النَّجْمِ إِذَا هَوَى، فَعَرَضْتُهُ على زين المشائخ (¬3) فَلَمْ يَسْتَحْسِنْ قَوْلَهُ الثَّانِيَ. وَالْوَجْهُ أَنَّ إِذا قَدِ انْسَلَخَ عَنْهُ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ وَصَارَ لِلْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ، وَنَحْوُهُ: آتِيكَ إِذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ، أَيْ وَقْتَ احْمِرَارِهِ فَقَدْ عُرِّيَ عَنْ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ لِأَنَّهُ وَقَعَتِ الْغُنْيَةُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: آتِيكَ اه. كَلَامُ الطِّيبِيُّ، فَقَوْلُهُ:
¬_________
(¬1) هُوَ عمر بن عُثْمَان بن الْحسن الجنزي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون النُّون نِسْبَة إِلَى جنزة أعظم مَدِينَة بأرّان قَرَأَ على أبي المظفر الأبيوردي وَتُوفِّي بمرو سنة 550 هـ.
(¬2) يُرِيد أَن مُقْتَضى حرف الْقسم فعل إنشائي حَاصِل فِي حَال النُّطْق وَمُقْتَضى (إِذا) الزّمن الْمُسْتَقْبل فتنافيا.
(¬3) هُوَ مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن بايجوك البقّالي الأدمِيّ أَو الْآدَمِيّ الْخَوَارِزْمِيّ النَّحْوِيّ أَخذ اللُّغَة والنحو عَن الزَّمَخْشَرِيّ، وَجلسَ بعد مَكَانَهُ توفّي سنة 562 هـ عَن نَيف وَسبعين سنة. [.....]

الصفحة 90