كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 27)

النِّسَاءِ [163] . وَجُمْلَةُ يُوحى مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ مَعَ دَلَالَةِ الْمُضَارِعِ عَلَى أَنَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ مُتَجَدِّدٌ وَحْيُهُ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ.
وَمُتَعَلِّقُ يُوحى مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: إِلَيْهِ، أَيْ إِلَى صَاحِبِكُمْ.
وَتُرِكَ فَاعِلُ الْوَحْيِ لِضَرْبٍ مِنَ الْإِجْمَالِ الَّذِي يَعْقِبُهُ التَّفْصِيلُ لِأَنَّهُ سَيَرِدُ بَعْدَهُ مَا يُبَيِّنُهُ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى.
وَجُمْلَةُ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى إِلَخْ، مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوَحْيِ.
وَضَمِيرُ الْغَائِبِ فِي عَلَّمَهُ عَائِدٌ إِلَى الْوَحْيِ، أَوْ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ. وَضَمِيرُ هُوَ يَعُودُ إِلَى الْقُرْآنِ، وَهُوَ ضَمِيرٌ فِي مَحَلِّ أَحَدِ مَفْعُولَيْ (عَلَّمَ) وَهُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: عَلَّمَهُ إِيَّاهُ، يَعُودُ إِلَى صاحِبُكُمْ [النَّجْم: 2] وَيَجُوزُ جَعْلُ هَاءَ عَلَّمَهُ عَائِدًا إِلَى صاحِبُكُمْ وَالْمَحْذُوفُ عَائِدٌ إِلَى وَحْيٌ إِبْطَالًا لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النَّحْل: 103] .
وَ (عَلَّمَ) هُنَا مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ لِأَنَّهُ مُضَاعَفُ (عَلِمَ) الْمُتَعَدِّي إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ.
وشَدِيدُ الْقُوى: صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يُذْكَرُ بَعْدُ مِمَّا هُوَ من شؤون الْمَلَائِكَةِ، أَيْ مَلَكٌ شَدِيدُ الْقُوَى. وَاتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالْمُرَادُ بِ الْقُوى اسْتِطَاعَةُ تَنْفِيذِ مَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَعْمَال الْعَظِيمَة العقيلة وَالْجُسْمَانِيَّةِ، فَهُوَ الْمَلَكُ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى الرُّسُلِ بِالتَّبْلِيغِ.
وَالْمِرَّةُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ، تُطْلَقُ عَلَى قُوَّةِ الذَّاتِ وَتُطْلَقُ عَلَى مَتَانَةِ الْعَقْلِ وَأَصَالَتِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ وَصْفُهُ بِشَدِيدِ الْقُوَى، وَتَخْصِيصُ جِبْرِيلُ بِهَذَا الْوَصْفِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْمَلَكُ الَّذِي يَنْزِلُ بِفُيُوضَاتِ الْحِكْمَةِ عَلَى

الصفحة 95