كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

أُحُدٍ بِذَلِكَ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. وَنَسَبَ الْوَاحِدِيُّ مِثْلَ هَذَا لِلْمُفَسْرِينَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ صَدْرَ الْآيَةِ نَزَلَ بَعْدَ آخِرِهَا.
وَعَنِ الْكَلْبِيِّ: أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ لَسَارَعْنَا إِلَيْهَا فَنَزَلَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [الصَّفّ: 10] الْآيَةَ. فَابْتُلُوا يَوْمَ أُحُدٍ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ تُعَيِّرُهُمْ بِتَرْكِ الْوَفَاءِ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مُعْظَمَ السُّورَةِ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ الَّتِي فِي أَوَّلِهَا.
وَهِيَ السُّورَةُ الثَّامِنَةُ وَالْمِائَةُ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ التَّغَابُنِ وَقَبْلَ سُورَةِ الْفَتْحِ. وَكَانَ نُزُولُهَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ.
وَعَدَدُ آيِهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعدَد.

أغراضها
أَوَّلُ أَغْرَاضِهَا التَّحْذِيرُ مِنْ إِخْلَافِ الْوَعْدِ وَالِالْتِزَامُ بِوَاجِبَاتِ الدِّينِ.
وَالتَّحْرِيضُ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالثَّبَاتِ فِيهِ، وَصِدْقُ الْإِيمَانِ.
وَالثَّبَاتُ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ.
وَالِائْتِسَاءُ بِالصَّادِقِينَ مِثْلِ الْحَوَارِيِّينَ.
وَالتَّحْذِيرُ مِنْ أَذَى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِيضًا بِالْيَهُودِ مِثْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ.
وَضَرَبَ الْمَثَلَ لِذَلِكَ بِفِعْلِ الْيَهُودِ مَعَ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَالتَّعْرِيضُ بِالْمُنَافِقِينَ.
وَالْوَعْدُ عَلَى إِخْلَاصِ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ بِحُسْنِ مَثُوبَةِ الْآخِرَةِ والنصر وَالْفَتْح.
[1]

[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

الصفحة 173