كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

وَالْأَمْرُ بِتَرْكِ مَا يَشْغَلُ عَنْهَا فِي وَقْتِ أَدَائِهَا. وَقُدِّمَ لِذَلِكَ: التَّنْوِيهُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى.
والتنويه بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَنَّهُ رَسُولٌ إِلَى الْعَرَبِ وَمَنْ سَيَلْحَقُ بِهِمْ.
وَأَنَّ رِسَالَتَهُ لَهُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ.
وَفِي هَذَا تَوْطِئَةٌ لِذَمِّ الْيَهُودِ لَأَنَّهُمْ حَسَدُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَشْرِيفِهِمْ بِهَذَا الدِّينِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا حَسَدُوهُمْ عَلَيْهِ وَنَقَمُوهُ أَنْ جُعِلَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْيَوْمَ الْفَاضِلَ فِي الْأُسْبُوعِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ.
وَإِبْطَالُ زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ.
وَتَوْبِيخُ قَوْمٍ انْصَرَفُوا عَنْهَا لِمَجِيءِ عِيرِ تِجَارَةٍ من الشَّام.
[1]

[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
افْتِتَاحُ السُّورَةِ بِالْإِخْبَارِ عَنْ تَسْبِيحِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِلَّهِ تَعَالَى بَرَاعَةُ اسْتِهْلَالٍ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَوَّلَ مِنَ السُّورَةِ التَّحْرِيضُ عَلَى شُهُودِ الْجُمُعَةِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْأَشْغَالِ الَّتِي تَشْغَلُ عَنْ شُهُودِهَا وَزَجْرُ فَرِيقٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ انْصَرَفُوا عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حِرْصًا عَلَى الِابْتِيَاعِ مَنْ عِيرٍ وَرَدَتِ الْمَدِينَةَ فِي وَقْتِ حُضُورِهِمْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ.
وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُجَدِّدُونَ تَسْبِيحَ اللَّهِ وَلَا يَفْتُرُونَ عَنْهُ أُوثِرَ الْمُضَارِعُ فِي قَوْلِهِ: يُسَبِّحُ.
وَمَعَانِي هَذِهِ الْآيَةِ تَقَدَّمَتْ مُفَرَّقَةً فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْحَدِيدِ وَسُورَةِ الْحَشْرِ.
سِوَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ جَاءَ فِيهَا فِعْلُ التَّسْبِيحِ مُضَارِعًا وَجِيءَ بِهِ فِي سِوَاهَا مَاضِيًا لِمُنَاسَبَةٍ فِيهَا وَهِيَ: أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا التَّنْوِيهُ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالتَّنْدِيدُ عَلَى نَفَرٍ قُطِعُوا عَنْ صَلَاتِهِمْ وَخَرَجُوا لِتِجَارَةٍ أَوْ لَهْوٍ فَمُنَاسِبٌ أَنْ يُحْكَى تَسْبِيحُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِمَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِمْرَارِ تَسْبِيحِهِمْ وَتَجَدُّدِهِ تَعْرِيضًا بِالَّذِينَ لَمْ يُتِمُّوا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ.

الصفحة 206