كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

وَيَجُوزُ كَوْنُ مِنْ لِلظَّرْفِيَّةِ مِثْلَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ [فاطر: 40] ، أَيْ فِيهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْأَرْضِيَّةِ.
وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكُمْ إِلَى الْمَذْكُورِ، أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرٍ بِالسَّعْيِ إِلَيْهَا، وَأُمِرَ بِتَرْكِ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ، أَيْ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ مِمَّا يَحْصُلُ لَكُمْ مِنَ الْبُيُوعَاتِ. فَلَفْظُ خَيْرٌ اسْمُ تَفْضِيلٍ أَصْلُهُ: أَخْيَرُ، حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَالْمُفَضَّلُ: الصَّلَاةُ، أَيْ ثَوَابُهَا. وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ: مَنَافِعُ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي.
وَإِنَّمَا أُعْقِبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ
تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ لَهُمْ سَعَةً مِنَ النَّهَارِ يَجْعَلُونَهَا لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ مِنِ ابْتِغَاءِ أَسْبَابِ الْمَعَاشِ فَلَا يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَذِكْرِ اللَّهِ. وَالْأَمْرُ فِي فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ لِلْإِبَاحَةِ.
وَالْمُرَادُ بِ فَضْلِ اللَّهِ: اكْتِسَابُ الْمَالِ وَالرِّزْقِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً فَهُوَ احْتِرَاسٌ مِنَ الِانْصِبَابِ فِي أَشْغَالِ الدُّنْيَا انْصِبَابًا يُنْسِي ذِكْرَ اللَّهِ، أَوْ يَشْغَلُ عَنِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ الْفَلَاحَ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى مَرْضَاةِ الله تَعَالَى.
[11]

[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 11]
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الْجُمُعَة: 9] الْآيَةَ. عُطِفَ التَّوْبِيخُ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَمْرِ وَسُلِكَتْ فِي الْمَعْطُوفَةِ طَرِيقَةُ الِالْتِفَاتِ لخطاب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيذَانًا بِأَنِّهُمْ أَحْرِيَاءُ أَنْ يُصْرَفَ لِلْخِطَابِ عَنْهُمْ فَحُرِمُوا مِنْ عِزِّ الْحُضُورِ. وَأُخْبِرَ عَنْهُمْ بِحَالِ الْغَائِبِينَ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالتَّوْبِيخِ.
وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: وَإِذَا رَأَيْتُمْ تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا فَلَا تَنْفَضُّوا إِلَيْهَا. وَمِنْ

الصفحة 227