كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ» (وَغَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ سَنَةَ خَمْسٍ، وَغَزْوَةُ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ) .
وَرَجَّحَ أَهْلُ الْمَغَازِي وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَارِضَةِ» وَابْنُ كَثِيرٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. لِأَنَّ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: «لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» ، يُنَاسِبُ الْوَقْتَ الَّذِي لَمْ يَضْعُفْ فِيهِ شَأْنُ الْمُنَافِقِينَ وَكَانَ أَمْرُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي ضَعْفٍ
وَكَانَتْ غَزْوَةَ تَبُوكَ فِي آخر سني النبوءة وَقَدْ ضَعُفَ أَمْرُ الْمُنَافِقِينَ.
وَسَبَبُ نُزُولِهَا «مَا
رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ (¬1) رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا جُهَنِيًّا حَلِيفًا لِلْأَنْصَارِ فَقَالَ الْجُهَنِيُّ: يَا لِلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، قَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» (أَيِ اتْرُكُوا دَعْوَة الْجَاهِلِيَّة:
يَا آل كَذَا) فَسَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ: أَقَدْ فَعَلُوهَا أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلُّ» . وَقَالَ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: فَسَمِعَتُ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُ بِهِ عَمِّي فَذكره للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، فَكَذَّبَنِي رَسُولُ اللَّهِ وَصَدَّقَهُ فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مَثْلُهُ فَقَالَ عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَّا أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ وَقَالَ لِي: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ»
. وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «أَنَّ الْمُهَاجِرِيَّ أَعْرَابِيٌّ وَأَنَّ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ، وَأَنَّ الْمُهَاجِرِيَّ ضَرَبَ الْأَنْصَارِيَّ عَلَى رَأْسِهِ بِخَشَبَةٍ فَشَجَّهُ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَالَ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ» يَعْنِي الْأَعْرَابَ، وَذَكَرَ أَهْلَ السَّيَرِ أَنَّ الْمُهَاجِرِيَّ مِنْ غِفَارٍ اسْمُهُ جَهْجَاهٌ أَجِيرٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَأَنَّ الْأَنْصَارِيَّ جُهَنِيٌّ اسْمُهُ سِنَانٌ حَلِيفٌ لِابْنِ
¬_________
(¬1) كسع ضربه على دبره، وَكَانَ ذَلِك لخصومة فِي حَوْض مَاء شربت مِنْهُ نَاقَة الْأنْصَارِيّ.

الصفحة 232