كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

زَعَمُوا كَذَا.
وَرَوَى أَهْلُ الْأَدَبِ أَنَّ الْأَعْشَى لَمَّا أَنْشَدَ قَيْسَ بْنَ مَعْدِ يَكْرِبَ الْكِنَدِيَّ قَوْلَهُ فِي مَدْحِهِ:
وَنُبِّئْتُ قَيْسًا وَلَمْ أَبْلُهُ ... كَمَا زَعَمُوا خَيْرَ أَهْلِ الْيَمَنِ
غَضِبَ قَيْسٌ وَقَالَ لَهُ: «وَمَا هُوَ إِلَّا الزَّعْمُ» .
وَلِأَجْلِ مَا يُصَاحِبُ الزَّعْمَ مِنْ تَوَهُّمِ قَائِلِهِ صِدْقَ مَا قَالَهُ أُلْحِقَ فِعْلُ زَعَمَ بِأَفْعَالِ الظَّنِّ فَنَصَبَ مَفْعُولَيْنِ. وَلَيْسَ كَثِيرًا فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبِ:
فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْتُ أَجْهَلُ فِيكُمُ ... فَإِنِّي شَرَيْتُ الْحِلْمَ بَعْدَكِ بِالْجَهْلِ
وَمِنْ شَوَاهِدِ النَّحْوِ قَوْلُ أَبِي أُمَيَّةَ أَوْسٍ الْحَنَفِيِّ:
زَعَمَتْنِي شَيْخًا وَلَسْتُ بِشَيْخٍ ... إِنَّمَا الشَّيْخُ مَنْ يَدِبُّ دَبِيبًا
وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ فِعْلِ الزَّعْمِ (أَنَّ) الْمَفْتُوحَةُ الْمُشَدَّدَةُ أَوِ الْمُخَفَّفَةُ مِثْلَ الَّتِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَيَسُدُّ الْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ. وَالتَّقْدِيرُ: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا انْتِفَاءَ بَعْثِهِمْ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فِعْلِ الزَّعْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ الْآيَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [60] ، وَقَوْلِهِ: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [22] وَمَا ذَكَرْتُهُ هُنَا أَوْفَى.
وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ كَفَرُوا هُنَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ عَلَى دِينِهِمْ.
وَاجْتِلَابُ حَرْفِ لَنْ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ فَكَانُوا مُوقِنِينَ بِانْتِفَاءِ الْبَعْثِ.
وَلِذَلِكَ جِيءَ إِبْطَالُ زَعْمِهِمْ مُؤَكَّدًا بِالْقَسَمِ لِيَنْقُضَ نَفْيَهُمْ بِأَشَدَّ مِنْهُ، فَأمر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُبَلِّغَهُمْ عَنِ اللَّهِ أَنَّ الْبَعْثَ وَاقِعٌ وَخَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ تَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَقُولُوا مَا بَلَّغَنَاهُ ذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ قُلْ بَلى مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجُمْلَةِ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [التغابن: 8] .
وَحَرْفُ بَلى حَرْفُ جَوَابٍ لِلْإِبْطَالِ خَاصٌّ بِجَوَابِ الْكَلَامِ الْمَنْفِيِّ لِإِبْطَالِهِ.

الصفحة 271