كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَبِالثَّوَبِ الْمَغْصُوبِ. قَالَ الْمُوجِبُونَ لِلْإِشْهَادِ: لَوْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ بَتَّ الْفِرَاقَ وَلَمْ يُشْهِدْ صَحَّتْ مُرَاجَعَتُهُ وَمُفَارَقَتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: مَعْنَى الْإِشْهَادِ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ وَالْمُفَارَقَةِ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ مُرَاجَعَتِهَا إِنْ رَاجَعَهَا، وَعِنْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ طَلَّقَهَا وَأَنَّ عِدَّتَهَا قَدِ انْقَضَتْ.
وَلِفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي صِفَةِ مَا تَقَعُ الْمُرَاجِعَةُ مِنْ صِيغَةٍ بِالْقَوْلِ وَمِنْ فِعْلِ مَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْأَزْوَاجِ، تَفَاصِيلُ مَحَلُّهَا كُتُبُ الْفُرُوعِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ إِلَّا مَا جَعَلَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ دَلِيلًا عَلَى الْمُرَاجَعَةِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ كَذَلِكَ.
وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ.
عَطْفٌ عَلَى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ.
وَالْخِطَابُ مُوَجَّهٌ لِكُلِّ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ وَالشُّهُودِ كُلٌّ يَأْخُذُ بِمَا هُوَ حَظُّهُ مِنْ هَذَيْنِ الْخِطَابَيْنِ. وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ [يُوسُف: 29] لِظُهُورِ التَّوْزِيعِ هُنَاكَ بِاللَّفْظِ دُونَ مَا هُنَا فَإِنَّهُ بِالْمَعْنَى فَالْكُلُّ مَأْمُورُونَ بِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ.
فتعريف الشَّهَادَة للاستغراق، أَيْ كُلِّ شَهَادَةٍ وَهُوَ اسْتِغْرَاقٌ عُرْفِيٌّ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الشَّهَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ.
وَمَعْنَى إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ: إِيقَاعُهَا مُسْتَقِيمَةً لَا عِوَجَ فِيهَا فَالْإِقَامَةُ مُسْتَعَارَةٌ لِإِيقَاعِ الشَّهَادَةِ عَلَى مُسْتَوْفِيهَا مَا يَجِبُ فِيهَا شَرْعًا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ وَهَذِهِ اسْتِعَارَةُ شَائِعَةُ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [282] .
وَقَوْلُهُ: لِلَّهِ، أَيْ لِأَجْلِ اللَّهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ لَا لِأَجْلِ الْمَشْهُودِ لَهُ وَلَا لِأَجْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الشَّاهِدِ وَالْإِبْقَاءِ عَلَى رَاحَتِهِ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ

الصفحة 310