كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

اخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ هَذَا السِّنِّ بِعَدَدِ السِّنِينَ فَقِيلَ: سِتُّونَ سَنَةً، وَقِيلَ: خَمْسٌ وَخَمْسُونَ، وَتَرْكُ الضَّبْطِ بِالسِّنِينَ أَوْلَى وَإِنَّمَا هَذَا تَقْرِيبٌ لِإِبَانِ الْيَأْسِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ بَيِّنٌ وَهِيَ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [228] . وَقَدْ نَزَلَتْ سُورَةُ الطَّلَاقِ بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَقَدْ خُفِيَ مَفَادُ الشَّرْطِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنِ ارْتَبْتُمْ وَمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ جَعَلُوا هَذَا الشَّرْطَ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ الَّذِي وَقَعَ هُوَ فِي أَثْنَائِهِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ:
لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطَّلَاق: 1] فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ خِلَافًا لِشُذُوذِ تَأْوِيلٍ بَعِيدٍ وَتَشْتِيتٍ لِشَمْلِ الْكَلَامِ، ثُمَّ خُفِيَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ: إِنِ ارْتَبْتُمْ.
وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ طَرِيقَتَانِ:
الطَّرِيقَةُ الْأُولَى: مَشَى أَصْحَابُهَا إِلَى أَنَّ مَرْجِعَ الْيَأْسِ غَيْرُ مَرْجِعِ الِارْتِيَابِ بِاخْتِلَافِ
الْمُتَعَلِّقِ، فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ عِدَّةَ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ وَذَوَاتِ الْحَمْلِ، أَيْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَبَقِيَتِ الْيَائِسَةُ وَالَّتِي لَمْ تَحِضِ ارْتَابَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِمَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَمِثْلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ،
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ خَبَرًا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اعْتِدَادِ هَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَمْ تُذْكَرَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
. فَجَعَلُوا حَرْفَ إِنِ بِمَعْنَى (إِذْ) وَأَنَّ الِارْتِيَابَ وَقَعَ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، أَيْ إِذِ ارْتَبْتُمْ فِي حُكْمِ ذَلِكَ فَبَيَّنَّاهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: حَدِيثُ أُبَيٍّ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَأَنَا أَقُولُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي «سُنَنِهِ» وَالْحَاكِمُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ» وَصَحَّحَهُ. وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ أَنَّ أُبَيًّا قَالَ: وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْنَادِ الْحَدِيثِ.
وَهُوَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي عُثْمَانَ عُمَرَ بْنِ سَالِمٍ الْأَنْصَارِيِّ (¬1) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ أَبَا عُثْمَانَ لَمْ يَلْقَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَأَحْسَبُ أَنَّهُ فِي
¬_________
(¬1) هُوَ قَاضِي مرو، وروى عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد.

الصفحة 316