كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

وَالْعَذَابُ: عَذَابُ جَهَنَّمِ، وَيَكُونُ الْفِعْلُ الْمَاضِي مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ تَشْبِيهًا لِلْمُسْتَقْبَلِ بِالْمَاضِي فِي تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: 1] ، وَقَوْلِهِ: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ
[الْأَعْرَاف: 44] .
وَالنُّكُرُ بِضَمَّتَيْنِ، وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ: مَا يُنْكِرُهُ الرَّأْيُ مِنْ فَظَاعَةِ كَيْفِيَّتِهِ إِنْكَارًا شَدِيدًا.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ نُكْراً بِضَمَّتَيْنِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِسُكُونِ الْكَافِ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها لِتَفْرِيعِ فَحاسَبْناها وَعَذَّبْناها.
وَالذَّوْقُ: هُنَا الْإِحْسَاسُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ.
وَالْوَبِيلُ: صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ. يُقَالُ: وَبُلَ (بِالضَّمِّ) : الْمَرْعَى، إِذَا كَانَ كَلَأُهُ وَخِيمًا ضَارًّا لِمَا يَرْعَاهُ.
وَالْأَمْرُ: الْحَالُ وَالشَّأْنُ، وَإِضَافَةُ الْوَبَالِ إِلَى الْأَمْرِ مِنْ إِضَافَةِ الْمُسَبِّبِ إِلَى السَّبَبِ، أَيْ ذَاقُوا الْوَبَالَ الَّذِي تَسَبَّبَ لَهُمْ فِيهِ أَمْرُهُمْ وَشَأْنُهُمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ.
وَعَاقِبَةُ الْأَمْرِ: آخِرُهُ وَأَثَرُهُ. وَهُوَ يَشْمَلُ الْعَاقِبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً.
وَشُبِّهَتْ عَاقِبَتُهُمُ السُّوأَى بِخَسَارَةِ التَّاجِرِ فِي بَيْعِهِ فِي أَنَّهُمْ لَمَّا عَتَوْا حَسِبُوا أَنَّهُمْ أَرْضَوْا أَنْفُسَهُمْ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الرُّسُلِ وانتصروا عَلَيْهِم فَلَمَّا لَبِثُوا أَنْ صَارُوا بِمَذَلَّةٍ وَكَمَا يَخْسَرُ التَّاجِرُ فِي تَجْرِهِ.
وَجِيءَ بِفِعْلِ كانَ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ عَاقِبَتِهَا فِي الدُّنْيَا تَغْلِيبًا. وَفِي كُلِّ ذَلِكَ تَفْظِيعٌ لِمَا لَحِقَهُمْ مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِيرِ مِمَّا وَقَعُوا فِيهِ.
وَجُمْلَةُ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً بَدَلُ اشْتِمَالِ مِنْ جُمْلَةِ وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً أَوْ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ.

الصفحة 335