كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ قَدْ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَبَعَثِ النُّفُوسِ عَلَى تَصَفُّحِ هَذَا الْكِتَابِ وَمُتَابَعَةِ
إرشاد الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالذِّكْرُ: الْقُرْآنُ. وَقَدْ سُمِّيَ بِالذِّكْرِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَذْكِيرَ النَّاسِ بِمَا هُمْ فِي غَفْلَةٍ عَنْهُ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا مِنْ حُسْنِ السُّلُوكِ، ثُمَّ تَذْكِيرَهُمْ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ التَّكَالِيفِ وَبَيَّنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [6] . وَإِنْزَالُ الْقُرْآنِ تَبْلِيغُهُ إِلَى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَاسْتُعِيرَ لَهُ الْإِنْزَالُ لِأَنَّ الذِّكْرَ مُشَبَّهٌ بِالشَّيْءِ الْمَرْفُوعِ فِي السَّمَاوَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ.
وَجُعِلَ إِنْزَالُ الذِّكْرِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ انتفعوا بِهِ وَعمِلُوا بِمَا فِيهِ فَخُصِّصُوا هُنَا مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْأُمَمِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ.
وَقَوْلُهُ: رَسُولًا بَدَلٌ مِنْ ذِكْراً بَدَلُ اشْتِمَالٍ لِأَنَّ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَالرَّسُول مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلَازَمَةً وَمُلَابَسَةً فَإِنَّ الرِّسَالَةَ تَحَقَّقَتْ لَهُ عِنْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، فَقَدْ أُعْمِلَ فِعْلُ أَنْزَلَ فِي رَسُولًا تَبَعًا لِإِعْمَالِهِ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمُقَارَنَةِ وَاشْتِمَالِ مَفْهُومِ أَحَدِ الِاسْمَيْنِ عَلَى مَفْهُومِ الْآخَرِ. وَهَذَا كَمَا أُبْدِلَ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ [الْبَيِّنَة: 2] مِنْ قَوْلِهِ: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ فِي سُورَةِ الْبَيِّنَةِ [1] .
وَالرَّسُولُ: هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الذِّكْرِ بِجِبْرِيلَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْكَلْبِيِّ لِتَصْحِيحِ إِبْدَالِ رَسُولًا مِنْهُ فَفِيهِ تَكَلُّفَاتٌ لَا دَاعِيَ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا مَحِيصَ عَنِ اعْتِبَارِ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ وَصَفُ جِبْرِيلَ بِأَنَّهُ يَتْلُو عَلَى النَّاسِ الْآيَاتِ فَإِنَّ مَعْنَى التِّلَاوَةِ بَعِيدٌ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ الذِّكْرِ بِجِبْرِيلَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا مَفْعُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ وَتَقْدِيرُهُ:
وَأَرْسَلَ إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَيَكُونُ حَذْفُهُ إِيجَازًا إِلَّا أَنَّ الْوَجْهَ السَّابِقَ أَبْلَغُ وَأَوْجَزُ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ مُبَيِّناتٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا وَمَآلُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ.
وَجُعِلَتْ عِلَّةُ إِنْزَالِ الذِّكْرِ إِخْرَاجَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنْ

الصفحة 337