كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

فَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ الصَّالِحُونَ مِنْهُمْ لِأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ يُحِبُّهُ لِصَلَاحِهِ وَالصَّالِحُ لَا يُحِبُّهُ أَهْلُ الْفَسَادِ وَالضَّلَالِ. فَهَذِهِ الْآيَةُ تَفْسِيرُهَا ذَلِكَ الْحَدِيثُ.
وَهَذَا الْمَعْنَى الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ مَعَانِي التَّعْلِيمِ الَّتِي حَوَتْهَا الْآيَاتُ.
وَقَوْلُهُ: بَعْدَ ذلِكَ اسْمُ الْإِشَارَةِ فِيهِ لِلْمَذْكُورِ، أَيْ بَعْدَ نَصْرِ اللَّهِ وَجِبْرِيلَ وَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَكَلِمَةُ بَعْدَ هُنَا بِمَعْنَى (مَعَ) فَالْبَعْدِيَّةُ هُنَا بَعْدِيَّةٌ فِي الذِّكْرِ كَقَوْلِهِ: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ [الْقَلَم: 13] .
وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ بَعْدَ ذِكْرِ تَأْيِيدِ اللَّهِ وَجِبْرِيلَ وَصَالِحِ وَالْمُؤمنِينَ أَنَّ الْمَذْكُورين قبلهم ظَاهره آثَارُ تَأْيِيدِهِمْ بِوَحْي الله للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ وَنَصْرُهُ إِيَّاهُ بِوَاسِطَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَنَبَّهَ اللَّهُ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى تَأْيِيدٍ آخَرَ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ آثَارُهُ وَهُوَ تَأْيِيدُ الْمَلَائِكَةِ بِالنَّصْرِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَغَيْرُ النَّصْرِ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ فِي السَّمَاوَاتِ، فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي تَفْضِيلَ نُصْرَةِ
الْمَلَائِكَةِ عَلَى نُصْرَةِ جِبْرِيلَ بَلْهَ نُصْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وظَهِيرٌ وَصْفٌ بِمَعْنَى الْمُظَاهِرِ، أَيِ الْمُؤَيِّدِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الظَّهْرِ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ مِثْلَ حَكِيمٍ بِمَعْنَى مُحْكِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ، وَفَعِيلٌ الَّذِي لَيْسَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَصْلُهُ أَنْ يُطَابِقَ مَوْصُوفَهُ فِي الْإِيرَادِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ هُنَا خَبَرًا عَنِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ كَانَ إِفْرَادُهُ عَلَى تَأْوِيلِ جَمْعِ الْمَلَائِكَةِ بِمَعْنَى الْفَوْجِ الْمُظَاهِرِ أَوْ هُوَ مِنْ إِجْرَاءِ فَعِيلٍ الَّذِي بِمَعْنَى فَاعِلٍ مَجْرَى فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الْأَعْرَاف: 56] ، وَقَوْلِهِ: وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً [الْفرْقَان: 55] وَقَوْلِهِ: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النِّسَاء: 69] ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ جِبْرِيلَ كَانَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ عَطْفًا عَلَى جِبْرِيلَ وَكَانَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذلِكَ حَالًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ [التَّحْرِيم: 3] وَبَيْنَ وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ وَبَيْنَ ظَهِيرٌ تجنيسات.
[5]

[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 5]
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً

الصفحة 359