كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 28)

وَالْاشْتِكَاءُ: مُبَالَغَةٌ فِي الشَّكْوَى وَهِيَ ذِكْرُ مَا آذَاهُ، يُقَالُ: شَكَا وَتَشَكَّى وَاشْتَكَى وَأَكْثَرُهَا مُبَالَغَةً. اشْتَكَى، وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَكُونَ الشِّكَايَةُ لِقَصْدِ طَلَبِ إِزَالَةِ الضُّرِّ الَّذِي يَشْتَكِي مِنْهُ بِحُكْمٍ أَوْ نَصْرٍ أَوْ إِشَارَةٍ بِحِيلَةِ خَلَاصٍ.
وَتَعَلُّقِ فِعْلِ التَّجَادُلِ بِالْكَوْنِ فِي زَوْجِهَا عَلَى نِيَّةِ مُضَافٍ مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ فِي مثل هَذَا بِكَثْرَة: أَيْ فِي شَأْنِ زَوْجِهَا وَقَضِيَّتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ [هود: 74] ، وَقَوْلِهِ: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا [الْمُؤْمِنُونَ: 27] وَهُوَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْمُلَقَّبَةِ فِي «أُصُولِ الْفِقْهِ» بِإِضَافَةِ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ إِلَى الْأَعْيَانِ فِي نَحْوِ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [الْمَائِدَة: 3] .
وَالتَّحَاوُرُ تَفَاعُلُ مِنْ حَارَ إِذَا أَجَابَ. فَالتَّحَاوُرُ حُصُولُ الْجَوَابِ مِنْ جَانِبَيْنِ، فَاقْتَضَتْ مُرَاجَعَةً بَيْنَ شَخْصَيْنِ.
وَالسَّمَاعُ فِي قَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ الْمُنَاسِبِ لِصِفَاتِ اللَّهِ إِذْ لَا صَارِفَ يَصْرِفُ عَنِ الْحَقِيقَةِ. وَكَوْنُ اللَّهِ تَعَالَى عَالِمًا بِمَا جَرَى مِنَ الْمُحَاوَرَةِ مَعْلُومٌ لَا يُرَادُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِهِ إِفَادَةُ الْحُكْمِ، فَتَعَيَّنَ صَرْفُ الْخَبَرِ إِلَى إِرَادَةِ الِاعْتِنَاءِ بِذَلِكَ التَّحَاوُرِ وَالتَّنْوِيهِ بِهِ وَبِعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى ترقّب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُنْزِلُهُ عَلَيْهِ مِنْ وَحْيٍ، وَتَرَقُّبُ الْمَرْأَةِ الرَّحْمَةَ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِتَحَاوُرِهِمَا.
وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ تُجادِلُكَ. وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارع لاستحضار حَالَة مُقَارَنَةِ عِلْمِ اللَّهِ لِتَحَاوُرِهِمَا زِيَادَةً فِي التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ ذَلِكَ التَّحَاوُرِ.
وَجُمْلَةُ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما أَيْ: أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِكُلِّ صَوْتٍ وَبِكُلِّ مَرْئِيٍّ. وَمِنْ ذَلِكَ مُحَاوَرَةُ الْمُجَادِلَةِ وَوُقُوعُهَا عِنْد النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَتَكْرِيرُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي مَوْضِعِ إِضْمَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِتَرْبِيَةِ الْمَهَابَةِ وَإِثَارَةِ تَعْظِيمِ مِنَّتِهِ تَعَالَى ودواعي شكره.
[2]

[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 2]
الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ

الصفحة 9