كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 29)
وَالْمَعْنَى: أَحْكَمْنَا رَبْطَ أَجْزَاءِ أَجْسَامِهِمْ فَكَانَتْ مشدودا بَعْضهَا إِلَى بَعْضٍ.
وَقَوْلُهُ: وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ إِخْبَارٌ بِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُبَدِّلَهُمْ بِنَاسٍ آخَرِينَ.
فَحَذْفُ مَفْعُولِ شِئْنا لِدَلَالَةِ وَجَوَاب إِذا عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي فِعْلِ الْمَشِيئَةِ غَالِبًا.
وَاجْتِلَابُ إِذا فِي هَذَا التَّعْلِيقِ لِأَنَّ شَأْنَ إِذا أَنْ تُفِيدَ الْيَقِينَ بِوُقُوعِ مَا قُيِّدَ بِهَا بِخِلَافِ حَرْفِ (إِنْ) فَهُوَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الْمَشِيئَةِ مُسْتَقْرَبُ الْوُقُوعِ.
فَيَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النَّتِيجَةِ لِقَوْلِهِ: نَحْنُ خَلَقْناهُمْ إِلَخْ، وَيُحْمَلُ الشَّرْطُ عَلَى التَّحَقُّقِ قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ [الذاريات: 6] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَهْدِيدًا لَهُمْ عَلَى إِعْرَاضِهِمْ وَجُحُودِهِمْ لِلْبَعْثِ، أَيْ لَوْ شِئْنَا لَأَهْلَكْنَاهُمْ وَخَلَقْنَا خَلْقًا آخَرَ مِثْلَهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [إِبْرَاهِيم: 19] .
وَيَكُونُ إِذا مُرَادًا بِهِ تَحَقُّقُ التَّلَازُمِ بَيْنَ شَرْطِ إِذا وَجَوَابِهَا، أَيِ الْجُمْلَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا، وَالْجُمْلَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا.
وَفِعْلُ التَّبْدِيلِ يَقْتَضِي مُبَدَّلًا وَمُبَدَّلًا بِهِ وَأَيُّهُمَا اعْتَبَرْتَهُ فِي مَوْضِعِ الْآخَرِ صَحَّ لِأَنَّ كُلَّ مُبَدَّلٍ بِشَيْءٍ هُوَ أَيْضًا مُبَدَّلٌ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَقَامِ غَرَضٌ بِبَيَانِ الْمَرْغُوبِ فِي اقْتِنَائِهِ وَالْمَسْمُوحِ بِبَذْلِهِ مِنَ الشَّيْئَيْنِ الْمُسْتَبْدَلَيْنِ، فَحُذِفَ مِنَ الْكَلَامِ هُنَا مُتَعَلِّقُ بَدَّلْنا وَهُوَ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْحَذْفِ، وَأُبْقِيَ الْمَفْعُولُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ [61] فِي قَوْلِهِ: عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ فِي سُورَةِ الْمَعَارِجِ [40، 41] فَالتَّقْدِيرُ: بَدَّلْنَا مِنْهُمْ.
وَالْأَمْثَالُ: جَمْعُ مِثْلٍ وَهُوَ الْمُمَاثِلُ فِي ذَاتٍ أَوْ صِفَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَمْثَالُهُمْ فِي أَشْكَالِ أَجْسَادِهِمْ وَهُوَ التَّبْدِيلُ الَّذِي سَيَكُونُ فِي الْمَعَادِ.
الصفحة 410
457