كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 29)

[سُورَة الْإِنْسَان (76) : آيَة 31]
يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31)
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ جملَة وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الْإِنْسَان: 30] إِذْ يَتَسَاءَلُ السَّامِعُ عَلَى أَثَرِ مَشِيئَةِ اللَّهِ فِي حَالِ مَنِ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَنْ لَمْ يَتَّخِذْ إِلَيْهِ سَبِيلًا، فَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُدْخِلُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَأَنَّهُ أَعَدَّ لِمَنْ لَمْ يَتَخِذْ إِلَيْهِ سَبِيلًا عَذَابًا أَلِيمًا وَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ خَبَرَ أَنْ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ [الْإِنْسَان: 30] وَتَكُونُ جُمْلَةُ كانَ عَلِيماً حَكِيماً [الْإِنْسَان: 30] مُعْتَرِضَةً بَيْنَ اسْمِ أَنْ وَخَبَرِهَا أَوْ حَالًا، وَهِيَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ مُنْبِئَةٌ بِأَنَّ إِجْرَاءَ وَصْفَيِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ مُرَادٌ بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ كُلَّهُ مِنْ جَزَاءٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ بِعَذَابٍ جَارٍ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ.
وَانْتَصَبَ الظَّالِمِينَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاشْتِغَالِ وَالتَّقْدِيرِ: أَوْعَدَ الظَّالِمِينَ، أَوْ كَافَأَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُقَدِّرُهُ السَّامِعُ مُنَاسِبًا لِلْفِعْلِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ.

الصفحة 416