كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 29)
وَجُمْلَةُ وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ يَوْمِ الْفَصْلِ، وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ وَالرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْحَالِ إِعَادَةُ اسْمِ صَاحِبِ الْحَالِ عِوَضًا عَنْ ضَمِيرِهِ، مِثْلَ الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ [الْقَارِعَةُ: 1، 2] . وَالْأَصْلُ: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هُوَ، وَإِنَّمَا أُظْهِرَ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِتَقْوِيَةِ اسْتِحْضَارِ يَوْمِ الْفَصْلِ قَصْدًا لِتَهْوِيلِهِ.
وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ وأَدْراكَ خَبَرٌ، أَيْ أُعَلِّمُكَ. وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ اسْتِفْهَامٌ عُلِّقَ بِهِ فِعْلُ أَدْراكَ عَنِ الْعَمَلِ فِي مَفْعُولَيْنِ، وَمَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ مُبْتَدَأٌ أَيْضًا
ويَوْمُ الْفَصْلِ خَبَرٌ عَنْهَا وَالِاسْتِفَهَامَانِ مُسْتَعْمَلَانِ فِي مَعْنَى التهويل والتعجيب.
[15]
[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 15]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
حَمْلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا الْآتِيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ يَقْتَضِي أَنْ تُجْعَلَ اسْتِئْنَافًا لِقَصْدِ تَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ، وَتَهْوِيلُ يَوْمِ الْفَصْلِ فِي نُفُوسِهِمْ لِيَحْذَرُوهُ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ فِي الْمَعْنَى بِجُمْلَةِ إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ [المرسلات: 7] اتِّصَالُ أَجْزَاءِ النَّظْمِ، فَمَوْقِعُ جُمْلَةِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ، وموقع جملَة فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ [المرسلات:
8] التَّأَخُّرُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ لِتُؤْذِنَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ. وَقَدْ حَصَلَ مِنْ تَغْيِيرِ النَّظْمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ صَارَتْ جُمْلَةُ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ، فَحَصَلَ فِي هَذَا النَّظْمِ أُسْلُوبٌ رَائِعٌ، وَمَعَانٍ بَدَائِعُ. وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ جَعَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ جَوَابَ (إِذَا) أَيْ يَتَعَلَّقُ (إِذَا) بِالِاسْتِقْرَارِ الَّذِي فِي الْخَبَرِ وَهُوَ لِلْمُكَذِّبِينَ. وَالتَّقْدِيرُ: إِذَا حَصَلَ كَذَا وَكَذَا حَلَّ الْوَيْلُ لِلْمُكَذِّبِينَ وَهُوَ كَالْبَيَانِ لِقَوْلِهِ: إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ، فَيَحْصُلُ تَأْكِيدُ الْوَعِيدِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا عُرُوُّ الْجَوَابِ عَنِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ لِلْجَوَابِ لِأَنَّ جَوَابَ (إِذَا) جَوَابٌ صُورِيٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلَّقُ (إِذَا) عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْجَوَابِ فِي الْمَعْنَى.
ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ صَالِحَةٌ لِمَعْنَى الْخَبَرِيَّةِ وَلِمَعْنَى الْإِنْشَاءِ لِأَنَّ تَرْكِيبَ (وَيْلٌ لَهُ) يُسْتَعْمَلُ إِنْشَاءً بِكَثْرَةٍ.
وَالْوَيْلُ: أَشَدُّ السُّوءِ وَالشَّرِّ.
الصفحة 427
457