كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 29)
وَالْمَعْنَى: إِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا وَارْكَعُوا لَا يُؤْمِنُونَ وَلَا يَرْكَعُونَ كَمَا كُنِّيَ عَنْ عَدَمِ الْإِيمَانِ لِمَا حُكِيَ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [المدثر: 42- 44] إِلَى آخِرِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ [المرسلات: 46] .
وَعَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا يُفِيدُ تَهْدِيدَهُمْ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى التَّكْذِيبِ أَوْ عَلَى الْإِجْرَامِ، وَكِلَاهُمَا سَبَبٌ لِلتَّهْدِيدِ بِجَزَاءِ السُّوءِ فِي يَوْمِ الْفَصْلِ.
وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَعْنَى الْمُصَلِّينَ لِلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة.
[49]
[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 49]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِثْلُ نَظِيرِهَا الْمُوَالِيَةِ هِيَ لَهُ، إِذْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِقَوْلِهِ:
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ [المرسلات: 48] وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِ (الْمُكَذِّبِينَ) إِظْهَارًا فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِقَصْدِ وَصْفِهِمْ بِالتَّكْذِيبِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لَهُمْ أَوْ لَكُمْ فَهِيَ تهديد ناشىء عَنْ جُمْلَةِ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِ يَوْمَئِذٍ الزَّمَانُ الَّذِي يُفِيدُهُ إِذا مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا الَّذِي يُجَازَى فِيهِ بِالْوَيْلِ لِلْمُجْرِمِينَ الَّذِينَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ، أَيْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَتُفِيدُ مَعَ ذَلِكَ تَقْرِيرًا
وَتَأْكِيدًا لِنَظِيرِهَا الْمَذْكُورِ ثَانِيًا فِي هَذِه السُّورَة.
[50]
[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 50]
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
الْفَاء فصيحة تنبىء عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى تَعْيِينِ هَذَا الْمُقَدَّرِ مَا تَكَرَّرَ فِي آيَاتِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات: 49] فَإِنَّ تَكْذِيبَهُمْ بِالْقُرْآنِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ وُقُوعِ الْبَعْثِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ التَّعْجِيبِيِ مِنْ حَالِهِمْ، أَيْ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوا بِالْقُرْآنِ مَعَ وُضُوحِ حُجَّتِهِ فَلَا يُؤْمِنُونَ بِحَدِيثِ غَيْرِهِ.
الصفحة 447
457