كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وقال عفان: كان همّام لا يكاد يرجع إلى كتابه ولا ينظر فيه, وكان يُخالَف فلا يرجع إلى كتابه, وكان يكره ذلك. قال: ثم رجع بعدُ فنظر في كتبه, فقال: يا عفان كنا نخطئ كثيرًا، فنستغفر الله عز وجل (¬١).
ولا ريب أنه ثقة صدوق, ولكنه قد خولف في هذا الحديث, فلعلَّه مما حدَّث به من حفظه فغلط فيه, كما قال أبو داود والنسائي والدارقطني (¬٢). وكذلك ذكر البيهقي (¬٣) أن المشهور عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتمًا من وَرِق, ثم ألقاه".
وعلى هذا فالحديث شاذّ أو منكر، كما قال أبو داود, وغريب كما قال الترمذي.
فإن قيل: فغاية ما ذُكِر في تعليله تفرّد همّام به.
وجواب هذا من وجهين: أحدهما: أن همامًا لم ينفرد به، كما تقدم. الثاني: أن همّامًا ثقة, وتفرُّد الثقة لا يوجب نكارة الحديث، فقد تفرَّد عبد الله بن دينار بحديث النهي عن بيع الوَلاء وهِبَتهِ (¬٤).
وتفرّد مالك بحديث دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة وعلى رأسه المِغْفر (¬٥). فهذا غايته أن يكون غريبًا كما قال الترمذي, وأما أن يكون منكرًا أو شاذًّا فلا.
---------------
(¬١) انظر قول يزيد وعفان في "الضعفاء": (٤/ ٣٦٧ - ٣٦٨) للعقيلي.
(¬٢) انظر "سنن أبي داود" (١٩)، و"السنن الكبرى" (٩٤٧٠) للنسائي، و"العلل": (٢٥٨٦) للدارقطني.
(¬٣) "الكبرى": (١/ ٩٥).
(¬٤) أخرجه البخاري (٢٥٣٥)، ومسلم (١٥٠٦).
(¬٥) أخرجه البخاري (١٨٤٦)، ومسلم (١٣٥٧).

الصفحة 16