كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وتطيّب المرأة إذا خرجت للصلاة, ونحوه.
الثاني: أن عدم الافتتاح بالمفتاح يقتضي أنه لم يحصل له الدخول فيها, وأنه مصدود عنها, كالبيت المقفل على من أراد دخوله بغير مفتاح. وأما عدم القبول فمعناه: عدم الاعتداد بها, وأنه لم يُرَتَّب عليها أثرها المطلوب منها, بل هي مردودة عليه. وهذا قد يحصل لعدم ثوابه عليها، ورضا الربّ عنه بها, وإن كان لا يعاقبه عليها عقوبة تاركها جُمْلةً, بل عقوبته ترك ثوابه، وفوات الرضا لها بعد دخوله فيها، بخلاف من لم يَفْتتحها أصلًا بمفتاحها, فإن عقوبته عليها عقوبة تاركها. وهذا واضح.
فإن قيل: فهل في الحديث حجة لمن قال: إن عادم الطهورَين لا يصلي حتى يقدر على أحدهما؛ لأن صلاته غير مفتتحةٍ بمفتاحها, فلا تُقبل منه؟
قيل: قد استدلَّ به من يرى ذلك, ولا حجة فيه.
ولا بدَّ من تمهيد قاعدةٍ يتبين بها مقصود الحديث, وهي: أنّ ما أوجبه الله ورسوله, أو جعله شرطًا للعبادة, أو ركنًا فيها, أو وقَفَ صحّتَها عليه= هو مُقيَّد بحال القدرة؛ لأنها الحال التي يؤمر فيها به. وأما في حال العجز فغير مقدور ولا مأمور, فلا تتوقف صحة العبادة عليه. وهذا كوجوب القيام والقراءة والركوع والسجود عند القدرة, وسقوط ذلك بالعجز. وكاشتراط سَتْر العورة واستقبال القبلة عند القدرة, ويسقط بالعجز.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبلُ الله صلاةَ حائضٍ إلا بخمار" (¬١). ولو تعذَّر عليها
---------------
(¬١) أخرجه أبو داود (٦٤١)، والترمذي (٣٧٧)، وابن ماجه (٦٥٥)، وأحمد (٢٥١٦٧)، وابن خزيمة (٧٧٥)، وابن حبان (١٧١١) وغيرهم من حديث عائشة - رضي الله عنها -. قال الترمذي: "حديث حسن". وصححه الحاكم في "المستدرك": (١/ ٢٥١) على شرط مسلم، وصححه ابن حبان وابن خزيمة وابن الملقن في "البدر المنير": (٤/ ١٥٥). وأعله الدارقطني بالوقف، انظر "التلخيص الحبير": (١/ ٢٩٨)، و"نصب الراية": (١/ ٢٩٦).

الصفحة 21