كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
هدى به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وأرشد به من الغيّ. وفتحَ به أعْينًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلفًا؛ فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصَحَ الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد. لا يردُّه عنه رادّ ولا يصدُّه عنه صادّ، حتى سارت دعوتُه مسيرَ الشمس في الأقطار، وبلغ دينُه القيِّم ما بلغ الليلُ والنهار. فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين صلاةً دائمةً على تعاقب الأوقات والسنين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فإن أولى ما صُرِفت إليه العناية، وجرى المتسابقون في ميدانه إلى أفضل غاية، وتنافس فيه المتنافسون، وشمَّر إليه العاملون: العلمُ الموروث عن خاتم المرسلين ورسولِ رب العالمين، الذي لا نجاة لأحدٍ إلا به، ولا فلاح له في دارَيه إلا بالتعلّق بسببه، الذي من ظفِر به فقد فاز وغَنِم، ومن صُرِف عنه فقد خَسِر وحُرِم؛ لأنه قُطبُ السعادة الذي مدارها عليه، وآخيةُ الإيمانِ الذي مرجعه إليه، فالوصول إلى الله وإلى رضوانه بدونه مُحال، وطلب الهدى من غيره هو عين [ق ٢] الضلال.
وكيف يوصَل إلى الله من غير الطريق التي جعلها هو سبحانه موصلةً إليه، ودالَّةً لمن سلك فيها عليه، وبعث رسولَه بها مناديًا، وأقامَه على أعلامها داعيًا، وإليها هاديًا؟! فالباب عن السالك في غيرها مسدود، وهو عن طريق هداه وسعادته مصدود، بل كلما ازداد كدحًا واجتهادًا، ازداد من الله طردًا وبِعادًا (¬١)؛ ذلك بأنه صدَفَ عن الصراط المستقيم، وأعرض عن المنهج القويم، ووقف مع آراء الرجال، ورضي لنفسه بكثرة القيل والقال،
---------------
(¬١) كذا في الأصل و (هـ)، وهو مصدر بمعنى المباعدة، ويأتي بمعنى اللعن. وجاء في ش والمطبوعات: "وإبعادًا".
الصفحة 4
597