كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الطلاق بالرجعة, فلَأَنْ تقتضي دفعَ وقوعِه أولى وأحْرَى.
قالوا: وأيضًا فللّه تعالى في الطلاق المباح حكمان:
أحدهما: إباحته والإذن فيه.
والثاني: جعله سببًا للتخلُّص من الزوجة.
فإذا لم يكن الطلاقُ مأذونًا فيه انتفى الحكم الأول, وهو الإباحة, فما الموجب لبقاء الحكم الثاني, وقد ارتفع سبَبُه؟! ومعلومٌ أن بقاء الحكم بدون سببه ممتنع، ولا تصح دعوى أن الطلاقَ المحرّم سببٌ لما تقدم.
قالوا: وأيضًا فليس في لفظ الشارع «يصح كذا، ولا يصح» وإنما يستفاد ذلك من إطلاقه ومنعه, فما أطلقَه وأباحَه، فباشَرَه المكلَّفُ حُكِم بصحّته, بمعنى أنه وافق أمر الشارع فصحّ, وما لم يأذن فيه ولم يطلقه، فباشَرَه المكلَّف حُكِم بعدم صِحَّته, بمعنى أنه خالف أمر الشارع وحكمه.
وليس معنا ما يُسَتدلُّ به على الصحة والفساد إلا موافقة الأمر والإذن وعدم موافقتهما. فإن حكمتم بالصحة مع مخالفة أمر الشارع وإباحته, لم يبقَ طريقٌ إلى معرفة الصحيح من الفاسد, إذ لم يأت مِن الشرعِ إخبارٌ بأنَّ هذا صحيح وهذا فاسد غير الإباحة والتحريم, فإذا جَوَّزتم ثبوتَ الصحة مع التحريم, فبأيِّ شيء تستدلون بعد ذلك على فساد العقد وبطلانه؟!
قالوا: وأيضًا فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلُّ عَمَلٍ ليس عليه أَمْرُنا فهو ردّ» (¬١) ,
---------------
(¬١) لم أجده بهذا اللفظ، وقد ذكره ابن القيم في عدد من كتبه هكذا، وذكره غيره من المصنفين قبله وبعده كذلك، وكأنهم ذكروه بمعناه.

الصفحة 489