كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

تقتضي ردَّه وبطلانه, كما تقدم. وكذلك قياس الشريعة كما ذكرناه, وكذلك استقراء موارد عُرف الشرع في محالّ الحكم بالصحة, إنما يقتضي البطلان في العقد المحرَّم لا الصحة. وكذلك الإجماع, فإن الأمةَ لم تُجْمِع قطّ ــ ولله الحمد ــ على صحة شيء حَرَّمه الله ورسوله, لا في هذه المسألة ولا في غيرها, فالحكم بالصحة فيها إلى أيّ دليلٍ يستند؟
قالوا: وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مُرْه فليراجعها» فهذا حُجَّة لنا على عدم الوقوع, لأنه لَمّا طلَّقها ــ والرجلُ مِن عادته إذا طلقَ امرأتَه أن يخرجها عنه ــ أمَرَه بأن يراجعها ويمسكها, فإنَّ هذا الطلاقَ الذي أوْقَعَه ليس بمعتبر شرعًا, ولا تخرج المرأة عن الزوج بسببه, فهو كقوله - صلى الله عليه وسلم - لبشير بن سعد في قصة نَحْلِه ابنَه النعمانَ غلامًا: «رُدَّه» (¬١). ولا يدلّ أمْرُه إياه برَدِّه على أن الولد قد مَلَك الغلام, وأن الردَّ إنما يكون بعد الملك, فكذلك أَمْره بردِّ المرأة ورجعتها لا يدلّ على أنه لا يكون إلا بعد نفوذ الطلاق, بل لمّا ظنَّ ابنُ عمر جوازَ هذا الطلاق فأقْدَم عليه قاصدًا لوقوعه, ردَّ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأتَه, وأمره أن يردَّها.
وردُّ الشيء إلى مِلْك مَن أخرجه لا يستلزم خروجَه عن ملكه شرعًا, كما تُرَدُّ العينُ المغصوبة إلى مالكها, ويقال للغاصب: ردَّها إليه، ولا يدلُّ ذلك على زوال مُلك صاحبها عنها. وكذلك إذا قيل: رُدَّ على فلان ضالَّته. ولمّا باع عليٌّ أحدَ الغلامين الأخوين قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رُدّه, رُدّه» (¬٢). وهذا أمرٌ
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٢٥٨٦)، ومسلم (١٦٢٣/ ١٢) واللفظ له.
(¬٢) أخرجه الترمذي (١٢٨٤)، وابن ماجه (٢٢٤٩) من طريق الحجاج بن أرطأة عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن علي به. والحجاج ضعيف، وميمون صالح الحديث لكنه كثير الإرسال، قال أبو داود: لم يدرك عليًّا. قاله ابن عبد الهادي في «التنقيح»: (٤/ ٩٨).
ورواه أبو داود (٢٦٨٩)، والدارقطني (٣٠٤٠) من طريق يزيد بن عبد الرحمن الدالاني عن الحكم به: أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فردّ البيع. قال الذهبي وابن عبد الهادي: ويزيد صدوق، وهو أقوى من الحجاج.
وفي أسانيده اختلاف وله طرق أخرى عن علي - رضي الله عنه -، ينظر: «نصب الراية»: (٤/ ٢٦)، و «البدر المنير»: (٦/ ٥٢٢)، و «علل الدارقطني» (٤٠١).

الصفحة 492