كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

«فحُسِبَت عليَّ». وانفراد (¬١) ابن جُبير بها, كانفراد أبي الزبير بقوله: «ولم يرها شيئًا» , فإنْ تساقطتِ الروايتان لم يكن في سائر الألفاظ دليل على الوقوع, وإن رُجِّح إحداهما على الأخرى فرواية أبي الزبير صريحة في الرفع, ورواية سعيد بن جُبير غير صريحة في الرفع, فإنه لم يذكر فاعل الحساب, فلعلّ أباه - رضي الله عنه - حَسَبها عليه بعد موتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي ألزمَ الناسَ فيه بالطلاق الثلاث, وحَسَبه عليهم, اجتهادًا منه ومصلحةً رآها للأمة, لئلا يتتايعوا (¬٢) في الطلاق المحرَّم, فإذا علموا أنه يلزمهم وينفذ عليهم أمسكوا عنه. وقد كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحتسب عليهم به ثلاثًا في لفظ واحد، فلما رأى عمرُ الناسَ قد أكثروا منه رأى إلزامهم به, والاحتساب عليهم به (¬٣).
قالوا: وبهذا تتآلفُ الأحاديثُ الواردةُ في هذا الباب ويتبينُ وجهُها, ويزولُ عنها التناقضُ والاضطرابُ, ويُسْتغَنى عن تكلُّف التأويلات المستكرهة لها, ويتبين موافقتُها لقواعد الشرع وأصوله.
قالوا: وهذا الظنُّ بعمر - رضي الله عنه - أنه إذا احتسب على الناس بالطلاق الثلاث احتسب على ابنه بتطليقته التي طلقها في الحيض, وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرها شيئًا مثل كون الطلاق الثلاث على عهده كان واحدة. وإلزام عمر
---------------
(¬١) في الأصل و (ش): «وانفرد» ومطموسة في (هـ) والصواب ما أثبت.
(¬٢) في الطبعتين ــ هنا وفي موضعين آخرين ــ: «يتتابعوا» بالموحدة، وهي غير معجمة في الأصل، والأقرب ما أثبت بدليل ورودها هكذا في رواية ابن عباس لحديث عمر في إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد، وهو عند مسلم وأبي داود كما سيأتي.
(¬٣) أخرجه مسلم (١٤٧٢/ ١٧)، وأبو داود (٢١٩٩).

الصفحة 497