كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الناسَ بذلك, كإلزامه لهم بهذا, وأدَّاه اجتهادُه - رضي الله عنه - إلى أن ذلك كان تخفيفًا ورفقًا بالأمة, لقلّة إيقاعهم الطلاقَ وعدم تتايُعهم فيه, فلما أكثروا منه وتتايعوا فيه ألزمهم بما التزموه.
وهذا كما أدّاه اجتهاده في الجَلْد في الخمر ثمانين (¬١) , وحَلْق الرأس فيه والنّفْي (¬٢) , والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إنما جَلَد فيه أربعين, ولم يحلق فيه رأسًا, ولم يغرِّب, فلما رأى الناسَ قد أكثروا منه، واستهانوا بالأربعين ضاعفها عليهم, وحَلَق ونَفَى. ولهذا نظائر كثيرة ستذكر في موضع آخر إن شاء الله.
قالوا: وتوهُّم مَن توهّم أنا خالفنا الإجماعَ في هذه المسألة غَلَط, فإن الخلاف فيها أشهر من أن يُجْحَد, وأظهر من أن يُسْتَر.
وإذا كانت المسألة من موارد النزاع فالواجب فيها امتثال ما أمر الله به ورسوله, مِن ردّ ما تنازع فيه العلماء إلى الله ورسوله, وتحكيم الله ورسوله دون تحكيم أحدٍ مِن الخَلْق, قال تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:٥٩].
فهذه بعض كلمات المانعين من الوقوع، ولو استوفينا الكلامَ في المسألة لاحتملَتْ سِفرًا كبيرًا, فلنقتصر على فوائد الحديث.
قال المُوقِعُون: وفيه دليل على أن الرجعةَ يستقلُّ بها الزوج دون الوليِّ
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٦٧٧٩) من حديث السائب بن يزيد، وأخرجه مسلم (١٧٠٦/ ٣٥) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(¬٢) حلق الرأس أخرجه عبد الرزاق: (٩/ ٢٣٢ - ٢٣٣). والنفي أخرجه عبد الرزاق أيضًا (٩/ ٢٣٠ - ٢٣١)، والنسائي (٥٦٧٦)، والبيهقي: (٨/ ٣٢١).

الصفحة 498