كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وأخلد إلى أرض التقليد، وقنع أن يكون عيالًا على أمثاله من العبيد؛ لم يسلك من سبل العلم مناهجَها، ولم يرتَقِ في درجاته معارجَها، ولا تألَّقت في خَلَده أنوارُ بوارقه، ولا بات قلبُه يتقلّب بين رياضه وحدائقه، لكنه ارتضع من ثدي من لم يَطْهُر بالعصمة لَبانُه، وورد مشربًا آجنًا طالما كدّره قلبُ الوارد ولسانُه، تضجّ منه الفروج والدماء والأموال إلى من حلَّل الحلالَ وحرّم الحرام، وتعجّ منه الحقوق إلى مُنزِل الشرائع والأحكام.
فحقٌّ على من كان في سعادة نفسه ساعيًا، وكان قلبه حيًّا واعيًا، أن يَرغب بنفسه عن أن يجعل كدَّه وسَعْيه في نُصرة من لا يملك له ضرًّا ولا نفعًا، وأن لا ينزلها في منازل الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
فإنَّ لله (¬١) يومًا يخسر فيه المبطلون، ويربح فيه المُحِقُّون، {يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان: ٢٧]، {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [الإسراء: ٧١]. فما ظنُّ مَن اتخذ غيرَ الرسول إمامَه، ونبذَ سنَّتَه وراء ظهره وجعل خواطرَ الرجال وآراءَها بين عينيه وأمامَه، فسيعلم يومَ العرضِ أيَّ بضاعةٍ أضاع، وعند الوزن ماذا أحضرَ مِن الجواهر أو خُرْثيّ المتاع (¬٢)!
---------------
(¬١) تحرفت في ط المعارف إلى: "بعد"!
(¬٢) خُرْثيّ المتاع: سَقَط المتاع.

الصفحة 5