كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ولم يمسَّها حتى طلّقها, فإنها تَبْني على عِدّتها في أحد القولين, لأنها لم تنقطع بوطء, فالمعنى المقصود إعدامه من تطويل العدة موجود بعينه هنا, لم يَزُل بطلاقها عقب الحيضة, فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع حكم الطلاق جملةً بالوطء, فاعتبرَ الطهرَ الذي هو موضع الوطء, فإذا وطئ حَرُم طلاقُها حتى تحيض ثم تطهر.
ومنها: أنه ربما كانت حاملًا وهو لا يشعر, فإن الحامل قد ترى الدَّمَ بلا ريب ــ وهل حكمه حكم الحيض أو دم فساد؟ على الخلاف فيه ــ فأراد الشارع أن يستبرئها بعد تلك الحيضة بطُهْر تامّ, ثم حيض تامّ, فحينئذ يعلم هل هي حامل أو حائل؟ فإنه ربما يمسكها إذا علم أنها حامل منه, وربما تكفُّ هي عن الرغبة في الطلاق إذا علمت أنها حامل, وربما يزول الشرُّ الموجب للطلاق بظهور الحمل, فأراد الشارع تحقيق علمهما بذلك, نظرًا للزوجين, ومراعاةً لمصلحتهما, وحسمًا لباب الندم. وهذا من أحسن محاسن الشريعة.
وقيل: الحكمة فيه أنه عاقبه بأمره بتأخير الطلاق جزاءً له على ما فَعَله من إيقاعه على الوجه المحرَّم.
ورُدّ هذا (¬١) بأن ابن عمر لم يكن يعلم التحريم.
وأجيب عنه بأن هذا حكم شامل له ولغيره من الأمة, وكونه - رضي الله عنه - لم يكن عالمًا بالتحريم يفيدُ نفي الإثم لا عدم ترتُّب هذه المصلحة على الطلاق المحرَّم في نفسه.
---------------
(¬١) «هذا» سقطت من ط. المعارف.

الصفحة 505