كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وقيل: حكمته أن الطهر الذي بعد تلك الحيضة هو من حريم تلك الحيضة, فهما كالقُرْء الواحد, فلو شُرِع الطلاق فيه لصار كموقِعِ طلقتين في قُرْءٍ واحد, وليس هذا بطلاق السنة.
وقيل: حكمتُه أنه نهى عن الطلاق في هذا الطُّهْر, ليطول مقامه معها, ولعلَّه تدعوه نفسُه إلى وطئها, وذهاب ما في نفسه من الكراهة لها, فيكون ذلك حرصًا على ارتفاع (¬١) البغيض إلى الله, المحبوب إلى الشيطان, وحضًّا على بقاء النكاح, ودوام المودّة والرحمة، والله أعلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثم ليطلقها طاهرًا»، وفي اللفظ الآخر: «فإذا طهرت فليطلقها إن شاء» هل المراد به انقطاع الدم, أو التطهر بالغسل, وما يقوم مَقامه من التيمم؟ على قولين (¬٢) , هما روايتان عن أحمد. أحدهما (¬٣): أنه انقطاع الدم، وهو قول الشافعي. والثانية: أنه الاغتسال.
وقال أبو حنيفة: إن طَهُرت لأكثر الحيض حلّ طلاقُها بانقطاع الدم, وإن طهرت لدون أكثره لم يحل طلاقها حتى تصير في حكم الطاهرات بأحد ثلاثة أشياء: إما أن تغتسل, وإما أن تتيمم عند العجز وتصلي, وإما أن يخرج عنها وقت صلاة, لأنه متى وُجِد أحدُ هذه الأشياء حكمنا بانقطاع حيضها.
وسِرّ المسألة: أن الأحكامَ المترتبة على الحيض نوعان:
---------------
(¬١) ط. الفقي: «ارتفاع الطلاق» ولا وجود لها في الأصل و (ش)!
(¬٢) ينظر للمسألة: «الأم»: (٢/ ١٣٩)، و «فتح الباري»: (٩/ ٣٥٠)، و «الإنصاف»: (١/ ٢٣٩).
(¬٣) كذا في النسخ، والوجه: «إحداهما» وقد مضى مثلها غير مرة.

الصفحة 506