كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وقد روى ابن ماجه في «سننه» (¬١): أخبرنا عليّ بن محمد، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: «أُمِرَت بريرةُ أن تعتدّ بثلاث حِيَض». وهذا مع أنه إسناد «الصحيحين» , فلم يروه أحدٌ من أهل الكتب الستة إلا ابن ماجه, ويبعد أن تكون الثلاث حِيَض محفوظة فيه. فإن مذهب عائشة: أن الأقراءَ الأطهارُ (¬٢) , وقد أمرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المختلعةَ أن تستبرئ بحيضة كما تقدم, فهذه أولى, ولأن الأقراء الثلاثة إنما جُعِلَت في حقِّ المطلَّقة ليطول زمنُ الرجعة, فيتمكّن زوجُها مِن رَجْعتها متى شاء, ثم أُجْرِي الطلاقُ كلُّه مجرًى واحدًا. وطَرْد هذا: أن المَزْنيّ بها تُسْتبرأ بحيضة, وقد نصّ عليه أحمد (¬٣).
وبالجملة: فالأمر بالتربُّص ثلاثة قروء إنما هو للمطلَّقة. والمُعْتَقَةُ إذا فَسَخت فهي بالمختلعة والأمةِ المستبرأةِ أَشْبَه, إذ المقصود براءة رحمها, فالاستدلال على تعدُّد الأقراء في حقِّها بالآية غير صحيح, لأنها ليست مطلَّقة, ولو كانت مطلَّقةً لثبت لزوجها عليها الرجعة.
وأما الأحاديث في هذه اللفظة ففي صحتها نظر. وحديثُ الدارقطني المعروفُ أن الحسن رواه مرسلًا: «أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمر بريرة أن تعتدّ عِدّة الحُرّة» (¬٤)
---------------
(¬١) (٢٠٧٧).
(¬٢) أخرجه ابن جرير: (٤/ ٩٥ - ٩٧)، وينظر «تفسير القرطبي»: (٣/ ١١٣)، و «زاد المعاد»: (٥/ ٦١١ - ٦١٢).
(¬٣) ينظر «المغني»: (١١/ ١٩٦).
(¬٤) رواه ابن أبي شيبة (١٩١١٣).

الصفحة 545