كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فهذه مجامع طرق الناس في هذا الحديث، أفْسَدُها هذان الأخيران, فإنهما غلط محض, و النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يردَّها على أبي العاص يومَ بدرٍ قطّ، وإنما الحديث في قصة بدر أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أطلقَه وشَرَط عليه أن يردّ عليه ابنته, لأنها كانت بمكة, فلما أُسِر أبو العاص أطلقه بشرط أن يرسلها إلى أبيها, ففعل, ثم أسلم بعد ذلك بزمان في الهدنة. هذا هو المعروف الذي لا يشكُّ فيه من له علم بالمغازي والسير, وما ذكره (¬١) عن الزهريِّ وقَتادة فمنقطع لا يثبت.
وأما المسلك التاسع, فمعاذ الله أن يُظَنّ بالصحابة أنهم يروون أخبارًا عن الشيء الواقع والأمر بخلافه, لظنهم واعتقادهم, وهذا لا يدخله إلا الصدق والكذب, فإنه إخبار عن أمر واقع مشاهَد, هذا يقول: «ردَّها بنكاحٍ جديد» , فهل يسوغ أن يخبر بذلك بناءً على اعتقاده من غير أن يشهدَ القصةَ أو تُروى له؟ وكذا مَن قال: «ردَّها بالنكاح الأول»؟
وكيف يُظنّ بعبد الله بن عَمرو أنه يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقدَ نكاحٍ لم يثبته ولم يشهده ولا حُكِي له؟! وكيف يُظنّ بابن عباس أن يقول: «ردّها بالنكاح الأول، ولم يُحْدِث شيئًا» , وهو لا يحيط علمًا بذلك؟! ثم كيف يشتبه على مثله نزول آية الممتحنة, وما تضمَّنته من التحريم قبل ردّ زينب على أبي العاص, ولو قُدِّر اشتباهه عليه في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لحداثة سنه, أفترى دام هذا الاشتباه عليه واستمرّ حتى يرويه كبيرًا, وهو شيخ الإسلام؟!
ومثل هذه الطرق لا يسلكها الأئمة, ولا يرضَى بها الحُذَّاق.
وأما تضعيف حديث داود بن الحُصين عن عكرمة, فمما لا يُلْتَفَتُ إليه.
---------------
(¬١) أي الطحاوي.

الصفحة 551