كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وأما أمره سودةَ ــ وهي أخته ــ بالاحتجاب منه، فهذا يدل على أصلٍ وهو تبعيض أحكام النسب، فيكون أخاها في التحريم والميراث وغيره، ولا يكون أخًا في المحرمية والخلوة والنظر إليها؛ لمعارضة الشبه للفراش، فأعطى الفراشَ حكمه من ثبوت الحرمة وغيرها، وأعطى الشَّبَه حكمَه من عدم ثبوت المحرمية لسودة.
وهذا باب من دقيق العلم وسرّه لا يلحظه إلا الأئمة المطَّلِعون على أغواره، المَعنيّون بالنظر في مآخذ (¬١) الشرع وأسراره. ومَن نبا فهمُه عن هذا وغلُظ عنه طبعه [ق ١٠٨] فلينظر إلى الولد من الرضاعة كيف هو ابن في التحريم، لا في الميراث ولا في النفقة ولا في الولاية.
وهذا ينفع في مسألة البنت المخلوقة من ماء الزاني، فإنها بنته في تحريم النكاح عليه عند الجمهور، وليست بنتًا في الميراث ولا في النفقة ولا في المحرمية.
وبالجملة: فهذا من أسرار الفقه، ومراعاة الأوصاف التي تترتب عليها الأحكام، وترتيب مقتضى كلِ وصفٍ عليه. ومن تأمل الشريعة أَطلعتْه من ذلك على أسرار وحِكَم تَبهَر الناظرَ فيها.
ونظير هذا: ما لو أقام شاهدًا واحدًا وحلف معه على سارق أنه سرق متاعه ثبت حكم السرقة في ضمان المال على الصحيح، ولم يثبت حكمها في وجوب القطع اتفاقًا. فهذا سارق من وجه دون وجهٍ، ونظائره كثيرة.
فإن قيل: فكيف تصنعون في الرواية التي جاءت في هذا الحديث: «واحتجبي منه يا سودة فإنه ليس لكِ بأخ» (¬٢)؟
قيل: هذه الزيادة لا يُعلم
---------------
(¬١) قراءة الطبعتين: «مأخذ»، ولعل الأولى ما أثبت.
(¬٢) أخرجه أحمد (١٦١٢٧)، والنسائي (٣٤٨٥)، والحاكم (٤/ ٩٧)، والبيهقي (٦/ ٨٧) من طريق مجاهد، عن يوسف بن الزبير (ولم يُذكر في رواية أحمد)، عن عبد الله بن الزبير.

إسناده ضعيف، فيه يوسف بن الزبير، مجهول الحال. قال البيهقي: «إسناد هذا الحديث لا يقاوِم إسناد الحديث الأول؛ لأن الحديث الأول رواته مشهورون بالحفظ والفقه والأمانة، وعائشة - رضي الله عنها - تخبر عن تلك القصة كأنها شهدتها، والحديث الآخر فيه من لا يُعرف بسببٍ يثبت به حديثه ــ وهو يوسف بن الزبير ــ، وعبد الله بن الزبير كأنه لم يشهد القصة لصغره» باختصار.

الصفحة 567