كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وحكاه أبو يعلى ابن القاضي في «مفرداته» روايةً عن أحمد، وهي غريبة جدًا.
والثالث: أن لها السكنى دون النفقة. وهذا قول مالك (¬١) والشافعي (¬٢)، وفقهاء المدينة السبعة (¬٣)، وهو مذهب عائشة أم المؤمنين (¬٤).
وأسعد الناس بهذا الخبر من قال به، وأنه لا نفقة لها ولا سكنى. وليس مع من ردّه حجة تقاومه ولا تقاربه.
قال ابن عبد البر (¬٥): أما مِن طريق الحجة وما يلزم منها فقول أحمد بن حنبل ومن تابعه أصح وأرجح، لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصًّا صريحًا؛ فأي شيء يعارِض هذا إلا مِثلُه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو المبين عن الله مرادَه؟ ولا شيء يدفع ذلك، ومعلوم أنه أعلمُ بتأويل قول الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦].
وأما قول عمر ومن وافقه، فقد خالفه علي وابن عباس ومن وافقهما، والحجة معهم. ولو لم يخالفهم أحد منهم لَما قُبِل قول المخالف لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة على عمر وعلى غيره.
---------------
(¬١) «الموطأ» (٢/ ٥٨١)، و «المدونة» (٥/ ٤٧١).
(¬٢) «الأم» (٦/ ٦٠٢ - ٦٠٣). وانظر: «نهاية المطلب في دراية المذهب» (١٥/ ٤٨٥).
(¬٣) انظر: «التمهيد» (١٩/ ١٤٨).
(¬٤) أخرج البخاري (٥٣٢١ - ٥٣٢٥) ومسلم (١٤٨٠/ ٤٠) أنها أنكرت على فاطمة بنت قيس حديثها. قال البيهقي: الأشبه أنها إنما أنكرت عليها النُقْلة من غير سبب، دون النفقة. «السنن الكبرى» (٧/ ٤٧٦) باختصار. يؤيّد ذلك قول فاطمة بنت قيس: «فكيف تقولون: لا نفقة لها إذا لم تكن حاملًا، فعلامَ تحبسونها؟» رواه مسلم (١٤٨٠/ ٤١).
(¬٥) «التمهيد» (١٩/ ١٥١)، والمؤلف صادر عن «المغني» لابن قدامة (١١/ ٤٠٣ - ٤٠٤).

الصفحة 572