كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ولم يصح عن عمر أنه قال: «لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة»، فإن أحمد أنكره وقال: أمّا هذا فلا، ولكن قال: «لا نقبل في ديننا قول امرأة» (¬١). وهذا أمر يرده الإجماع على قبول قول المرأة في الرواية، فأي حجة في شيء يخالفه الإجماع، وترده السنة ويخالفه فيه علماءُ الصحابة؟
وقال إسماعيل بن إسحاق (¬٢): نحن نعلم أن عمر لا يقول: «لا ندع كتاب ربنا» إلا لما هو موجود في كتاب الله تعالى، والذي في الكتاب أن لها النفقة إذا كانت حاملًا لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦]. وأما غير ذوات الحمل فلا يدل الكتاب إلا على أنهن لا نفقة لهن لاشتراطه الحمل في الأمر بالإنفاق. آخر كلامه.
والذين ردوا خبر فاطمة هذا ظنوه معارضًا للقرآن، فإن الله تعالى قال: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦]، وقال: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: ١]. وهذا لو كان كما ظنوه لكان في السكنى خاصة، وأما إيجاب النفقة لها فليس في القرآن إلا ما يدل على أنه لا نفقة لهن، كما قال القاضي إسماعيل، لأن الله سبحانه شرط في وجوب الإنفاق أن يكنّ من أولات الحمل، وهو يدل على أنها إذا كانت حائلًا (¬٣) فلا نفقة لها، كيف وإن القرآن لا يدل على وجوب السكنى للمبتوتة بوجه ما!
---------------
(¬١) نقله في «المغني» (١١/ ٤٠٤)، وسيأتي قريبًا نص أحمد من «مسائل أبي داود».
(¬٢) ابن إسماعيل بن حمّاد بن زيد بن درهم الجهضمي، قاضي بغداد، وشيخ المالكية بالعراق (ت ٢٨٢). وقوله في «التمهيد» (١٩/ ١٤٢)، والنقل ما زال من «المغني».
(¬٣) طبعة الفقي: «حاملًا»، خطأ.

الصفحة 573