كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فإن السياق كله إنما هو في الرجعية. يبين ذلك [ق ١٠٩] قولُه (¬١): {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١]، وقولُه: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] وهذا في البائن مستحيل. ثم قال: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: ٦]، فاللاتي قال فيهن: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} قال فيهن {أَسْكِنُوهُنَّ} و {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}، وهذا ظاهر جدًّا.
وشبهة من ظن أن الآية في البائن قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦]، قالوا: ومعلوم أن الرجعية لها النفقة حاملًا كانت أو حائلًا. وهذا لا حجة فيه، فإنه إذا أوجب نفقتها حاملًا لم يدل ذلك على أنه لا نفقة لها إذا كانت حائلًا، بل فائدة التقييد بالحمل التنبيه على اختلاف جهة الإنفاق بسبب الحمل قبل الوضع وبعده، فقبل الوضع لها النفقة حتى تضعه، فإذا وضعته صارت النفقة بحكم الإجارة ورضاعة الولد، وهذه قد يقوم غيرُها مقامها فيه فلا تستحقها لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: ٦]، وأما النفقة حال الحمل فلا يقوم غيرها مقامها فيه، بل هي مستمرة حتى تضعه، فجهة الإنفاق مختلفة.
وأما الحائل فنفقتها معلومة من نفقة الزوجات، فإنها زوجة ما دامت في العدة فلا حاجة إلى بيان وجوب نفقتها. وأما الحامل فلما اختلفت جهة النفقة عليها قبل الوضع وبعده، ذكر سبحانه الجِهَتين والسببين. وهذا من أسرار القرآن ومعانيه التي يختص الله بفهمها من يشاء.
---------------
(¬١) طبعة المعارف: «في قوله»، خطأ.

الصفحة 574