كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وأيضًا فلو كان قوله: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} في البوائن لكان دليلًا ظاهرًا على أن الحائل البائن لا نفقة لها لاشتراط الحمل في وجوب الإنفاق، والحكم المعلق بالشرط عدمٌ عند عدمه.
وأما آية السكنى فلا يقول أحد إنها مختصة بالبائن، لأن السياق يخالفه ويبين أن الرجعية مرادة منها. فإما أن يقال: هي مختصة بالرجعية كما يدل عليه سياق الكلام وتتحد الضمائر ولا تختلف مفسّراتها، بل يكون مفسّر قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: ٢] هو مفسر قوله {أَسْكِنُوهُنَّ}، وعلى هذا فلا حجة في سكنى البائن.
وإما أن يقال: هي عامة للبائن والرجعية، وعلى هذا فلا يكون حديث فاطمة منافيًا للقرآن، بل غايته أن يكون مخصّصًا لعمومه، وتخصيص القرآن بالسنة جائز واقع؛ هذا لو كان قوله: {أَسْكِنُوهُنَّ} عامًّا، فكيف ولا يصح فيه العموم لما ذكرناه.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا نفقة لك ولا سكنى» (¬١). وقوله في اللفظ الآخر: «إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة» رواه الإمام أحمد والنسائي (¬٢)، وإسناده صحيح.
---------------
(¬١) رواه مسلم (١٤٨٠/ ٣٧).
(¬٢) أحمد (٢٧٣٤٤) من طريق مجالد بن سعيد، والنسائي (٣٤٠٣) من طريق سعيد بن يزيد الأحمسي، كلاهما عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس. ومجالد فيه لين، وقد تابعه سعيد الأحمسي، قال عنه أبو نعيم الفضل بن دُكين ــ كما في «المعرفة والتأريخ» (٣/ ٢٣٧) ــ وابن معين: كوفي ثقة. وله طريق ثالث عند البيهقي (٧/ ٤٧٣) من رواية فراس بن يحيى ــ وهو ثقة أيضًا ــ عن الشعبي.
على أن هذا اللفظ لم يرد في أكثر طرق الحديث ورواياته، ولذا ضعّفه البيهقي وابن القطان. انظر: «بيان الوهم» (٤/ ٤٧٢ - ٤٧٧).

الصفحة 575