كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

يعتبره النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا في لفظه قط ما يدل على إسقاط السكنى به؛ وتركٌ لتعليق الحكم بالوصف الذي اعتبره وعَلَّق به الحكمَ، وهو عدم ثبوت الرجعة.
الثاني: أنكم لا تقولون به، فإن المرأة ولو استطالت، ولو عصت بما عسى أن تعصي به، لم يسقط حقها من السكنى، كما لو كانت حاملًا، بل كان يُستكرَى لها من حقها في مال زوجها وتسكن ناحية.
وقد أعاذ الله فاطمة بنت قيس من ظلمها وتعديها إلى هذا الحد. كيف والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعنّفها بذلك، ولا نهاها عنه، ولا قال لها: إنما أُخرِجتِ من بيتك بظلمك لأحمائك، بل قال لها: «إنما السكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة»، وهذا هو:
الوجه الثالث: وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر لها السبب الذي من أجله سقط حقها من السكنى، وهو سقوط حق الزوج من الرجعة؛ وجعَل هذا قضاء عامًّا لها ولغيرها. فكيف يُعدل عن هذا الوصف إلى وصفٍ لو كان واقعًا لم يكن له تأثير في الحكم أصلًا؟
وقد روى الحميدي في «مسنده» (¬١) هذا الحديث وقال فيه: «يا ابنة قيس إنما السكنى والنفقة ما كان لزوجك عليك الرجعة»، ورواه الأثرم. فأين التعليل بسلاطة اللسان مع هذا البيان؟
ثم لو كان ذلك صحيحًا لما احتاج عمر في رده إلى قوله: «لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة»، بل كان يقول: لم يُخرِجها من السكنى إلا لبذائها وسَلَطِها،
---------------
(¬١) برقم (٣٦٧) من طريق مجالد عن الشعبي عن فاطمة بنحوه، ولعل اللفظ المذكور لأثرم، وقريب منه لفظ الطبراني في «المعجم الكبير» (٢٤/ ٣٧٩) من طريق مجالد به. والمؤلف صادر عن «المغني» (١١/ ٣٠٢).

الصفحة 581