كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

للعذر، ويجوز الخروج من صوم الفرض بعذر المرض. والواقعة حكاية فعل، لا عموم لها.
ولا يقال: قوله «وهو صائم» جملةُ حالٍ مقارنةٍ للعامل فيها، فدل على مقارنة الصوم للحجامة؛ لأن الراوي لم يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إني باقٍ على صومي، وإنما رآه يحتجم وهو صائم، فأخبر بما شاهده ورآه، ولا علم له بِنيَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا بما فعل بعد الحجامة، مع أن قوله: «وهو صائم» حال من الشروع في الحجامة وابتدائها، فكان ابتداؤها مع الصوم، وكأنه قال: احتجم في اليوم الذي كان صائمًا فيه، ولا يدل ذلك على استمرار الصوم أصلا. ولهذا نظائر منها: حديث الذي وقع على امرأته وهو صائم، وقوله في «الصحيحين» (¬١): وقعت على امرأتي وأنا صائم. والفقهاء وغيرهم يقولون: وإن جامع وهو محرم، وإن جامع وهو صائم، ولا يكون ذلك فاسدًا من الكلام، فلا تُعطَّل نصوص الفطر بالحجامة بهذا اللفظ المُحتمِل.
وأما قوله: «احتجم وهو محرم صائم»، فلو ثبتت هذه اللفظة لم يكن فيها حجة لما ذكرناه، ولا دليل فيها أيضًا على أن ذلك كان بعد قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم»، فإن هذا القول منه كان في رمضان سنة ثمان من الهجرة عام الفتح، كما جاء في حديث شداد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم بعمرة الحديبية سنة ست، وأحرم من العام القابل بعمرة القضية، وكلا العمرتين (¬٢) قبل ذلك، ثم دخل مكة عام الفتح ولم يكن محرمًا، ثم حج حجة الوداع،
---------------
(¬١). البخاري (١٩٣٦) ومسلم (١١١١) من حديث أبي هريرة، وليس عند مسلم موضع الشاهد.
(¬٢). الوجه: «وكلتا العمرتين»، وتذكير «كلا» في مثله شائع في كتب المؤلف.

الصفحة 47