كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

فاحتجامه وهو صائم محرم لم يبيَّن [ق ١١٩] في أي إحراماته كان؟ وإنما تمكن دعوى النسخ إذا كان ذلك قد وقع في حجة الوداع أو في عمرة الجعرانة حتى يتأخر ذلك عن عام الفتح الذي قال فيه: «أفطر الحاجم والمحجوم»، ولا سبيل إلى بيان ذلك.
وأما رواية ابن عباس له، وهو ممن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الفتح، فلا تُثير ظنًّا، فضلًا عن النسخ به، فإن ابن عباس لم يقل: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا: رأيته فعل ذلك، وإنما روى ذلك روايةً مطلقة، ومن المعلوم أن أكثر روايات ابن عباس إنما أخذها من الصحابة، والذي فيه سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبلغ عشرين قصة، كما قاله غير واحد من الحفاظ، فمن أين لكم أن ابن عباس لم يروِ هذا عن صحابي آخر، كأكثر رواياته؟ وقد روى ابن عباس أحاديث كثيرةً مقطوع بأنه لم يسمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا شهدها، ونحن نقول إنها حجة، لكن لا يثبت (¬١) بذلك تأخُّرُها ونسخها لغيرها، ما لم يُعلم التاريخ.
وبالجملة، فدعوى النسخ إنما تثبت بشرطين: أحدهما: تعارض المَتْنين (¬٢)، والثاني: العلم بتأخر أحدهما. وقد تبين أنه لا سبيل إلى واحد منهما في مسألتنا، بل من المقطوع به أن هذه القصة لم تكن في رمضان، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحرم في رمضان، فإن عُمَرَه كانت في ذي القعدة، وفتح مكة كان في رمضان، ولم يكن مُحرِمًا، فغايتها أنها في صوم تطوع في السفر، وقد كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفطر في السفر. ولما خرج في (¬٣)
---------------
(¬١). في الطبعتين: «لا نُثبت»، والكلمة مهملة غير منقوطة في الأصل.
(¬٢). ط. الفقي: «المفسّر»، تحريف.
(¬٣). في الأصل وط. المعارف: «مِن»، ولعله تصحيف ما أثبت، أو كان أصله: «زمن» فسقطت الزاء. وفي ط. الفقي: «من المدينة عام الفتح» زاد فيه دون تنبيه.

الصفحة 48