كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

الفتح صام حتى بلغ الكَدِيد، ثم أفطر، والناس ينظرون إليه (¬١). ثم لم يُحفظ عنه أنه صام بعد هذا في سفر قط. ولما شك الصحابة في صيامه يوم عرفة أرسلوا أمَّ الفضل إليه بقَدَح فشربه (¬٢)، فعلموا أنه لم يكن صائمًا.
فقصة الاحتجام وهو صائم محرم إما غلط، كما قال الإمام أحمد وغيره، وإما قبل الفتح قطعًا، وعلى التقديرين فلا يُعارَض بها قوله عام الفتح: «أفطر الحاجم والمحجوم».
وعلى هذا فحديث ابن عباس إما أن (¬٣) يدل على أنّ الحجامة لا تفطّر أو لا يدل. فإن لم يدل لم يَصلح للنسخ. وإن دل فهو منسوخ بما ذكرنا من حديث شدّاد، فإنه مؤرَّخ بعام الفتح، فهو متأخر عن إحرام النبي - صلى الله عليه وسلم - صائمًا، وتقريره ما تقدم.
وهذا القلب في دعوى كونه منسوخًا أظهر من ثبوت النسخ به. وعياذًا بالله من شر مقلّدٍ عصبيٍّ يرى العلم جهلًا، والإنصاف ظلمًا، وترجيح الراجح على المرجوح عدوانًا! وهذه المضايق لا يصحب السالك فيها إلا من صَدَقت في العلم نيتُه وعَلَت همَّتُه. وأما من أخلد إلى أرض التقليد، واستوعر طريق الترجيح، فيقال له: ما ذا عُشَّكِ فادرُجي (¬٤)!
---------------
(¬١). أخرجه البخاري (١٩٤٤، ٢٩٥٣، ٤٢٧٥، ٤٢٧٦)، ومسلم (١١١٣).
(¬٢). كذا، والرواية أن الصحابة لمّا تماروا عندها أرسلتْ هي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدح، لا أنهم أرسلوها إليه به. هكذا أخرجه البخاري (١٦٥٨) ومسلم (١١٢٣).
(¬٣). «أن» ساقط من الطبعتين.
(¬٤). أي: ليس هذا مجالك، ولستَ من أهله، فدعْه وامْضِ! انظر: «مجمع الأمثال» (٢/ ١٨١) و «تاج العروس» (عشش).

الصفحة 49