كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، فإن فيها ليلة القدر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في تلك الليالي ما لا يجتهد في غيرها من الليالي، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الآخر من رمضان؛ لحديث ابن عباس (¬١)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر» (¬٢)، وما جاء في يوم عرفة.
السادس: أن الناس كان يكثر اختلافهم في هذين الشهرين لأجل صومهم وحجهم، فأعلَمَهم - صلى الله عليه وسلم - أن الشهرين وإن نقصت أعدادُهما فحكم عبادتهما على التمام والكمال (¬٣). ولما كان هذان الشهران هما أفضل شهور العام، وكان العمل فيهما أحب إلى الله من سائر الشهور= رغّب النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمل، وأخبر أنه لا ينقص ثوابه وإن نقص الشهران. والله أعلم.
قالوا: ويشهد لهذا التفسير ما رواه الطبراني في «معجمه» (¬٤) من حديث
---------------
(¬١). وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من أيامٍ العملُ الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر». رواه البخاري (٩٦٩) وأبو داود (٢٤٣٨) والترمذي (٧٥٧) واللفظ له.
(¬٢). أخرجه أحمد (١٩٠٧٥)، وأبو داود (١٧٦٥)، وابن خزيمة (٢٨٦٦)، وابن حبان (٢٨١١)، والحاكم (٤/ ٢٢١) من حديث عبد الله بن قُرْط - رضي الله عنه -.
(¬٣). بنحوه فسّره إسحاق بن راهويه، كما في «مسائل الكوسج» (٢/ ٥٤١)، و «جامع الترمذي» عقب الحديث (٦٩٢).
(¬٤). من طريق هشيم عن خالد الحذّاء، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه. هكذا ذكر إسناده في «الفتح» (٤/ ١٢٦)، وليس في القدر المطبوع من «المعجم الكبير»، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٣/ ١٥٠ - ١٥١): «رجاله رجال الصحيح»، وقال المؤلف: رجال إسناده ثقات، وهو كما قالا، إلا أن لفظه منكر، فإن الحديث في «الصحيحين» وغيرهما من طرق عن خالد الحذّاء به بلفظ حديث الباب، والظاهر ــ كما قال الحافظ ابن حجر ــ أن هشيمًا دخل عليه الحديث في حديث آخر، فإن اللفظ الذي ذكره إنما هو لفظ حديث عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ــ وهو ضعيف منكر الحديث ــ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه. أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٥٠٢) وابن عدي في «الكامل» (٤/ ٣٠٥) وابن عبد البرّ في «التمهيد» (٢/ ٤٦ - ٤٧)، وضعّفوه بعبد الرحمن بن إسحاق.

الصفحة 5