كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

«صحيحه» (¬١) عن ثابت قال: «سئل أنس: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف»، وفي رواية: «على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -». فهذا يدل على أن أنسًا لم يكن عنده رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فطّر بها، ولا أنه رخص فيها، بل الذي عنده كراهتها من أجل الضعف. ولو عَلِم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخّص فيها بعد الفطر بها، لم يَحتج أن يجيب بهذا مِن رأيه، ولم يَكره شيئًا رخّص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأيضًا فمن المعلوم أن أهل البصرة أشد الناس في التفطير بها. وذكر الإمام أحمد (¬٢) وغيره أن البصرة كانت إذا دخل شهر رمضان يُغلقون حوانيت الحجّامين. وقد تقدم مذهب الحسن وابن سيرين إمامَي البصرة أنهما كانا يفطّران بالحجامة، مع أن فتاوى أنس نُصْب أعينهم، وأنس آخر من مات بالبصرة من الصحابة، فكيف يكون عند أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخّص في الحجامة [ق ١٢٠] للصائم بعد نهيه عنها، والبصريون يأخذون عنه، وهم على خلاف ذلك؟! وعلى القول بالفطر بها، لا سيما وحديث أنس فيه أن ثابتًا سمعه منه، وثابت من أكبر مشايخ أهل البصرة ومن أخصّ أصحاب الحسن= فكيف تشتهر بين أهل البصرة السنّة المنسوخة، ولا يعلمون الناسخة ولا يعملون بها، ولا تُعرف بينهم ولا يتناقلونها، بل هم على خلافها؟! هذا محال.
قالوا: وأيضًا فأبو قلابة من أخص أصحاب أنس، وهو الذي يروي قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» من طريق أبي أسماء عن ثوبان، ومن
---------------
(¬١). رقم (١٩٤٠).
(¬٢). انظر: «شرح العمدة» لشيخ الإسلام (٣/ ٣٤٥).

الصفحة 51