كتاب تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

وقد أشكل هذا على طائفة، وقالوا: قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في تحيّة الموتى: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين» فقدم السلام على المسلَّم عليه، ثم قالوا: وهذا أصح من حديث أبي جُريّ هذا، فالأخذ به أولى.
وهذا ليس بشيء، ولا تعارض بين الحديثين، [فإن] (¬١) قوله - صلى الله عليه وسلم -: «عليك السلام تحية الموتى» إخبار عن الواقع مقرونًا بالنهي عنه، وليس إخبارًا عن المشروع، [فإنهم كانوا في] عادة الجاهلية في تحية الأموات يقدمون اسم الميت على الدعاء، كقول قائلهم (¬٢):
عليك سلامُ الله قيسُ بنَ عاصمٍ ... ورحمتُه ما شاء أن يترحَّما

والسنة في السلام تقديم التحية على المدعو له في الأحياء والأموات فيقال: السلام عليكم للميت، كما يقال للحي: سلام عليكم، وكما لا يقال في سلام الأحياء: عليكم السلام، فكذلك لا يقال في سلام الأموات.
وكأن الذي تخيّله القوم من الفرق أن المسلِّم على [المرء] لمَّا كان يتوقع الجواب و [أن] يقال له: عليك السلام بدأوا باسم السلام على المدعو له توقعًا لقوله: وعليك السلام. وأما الميت فلما لم يتوقعوا منه ذلك قدّموا المدعو له على الدعاء فقالوا: عليك السلام (¬٣).
---------------
(¬١) ما بين الحاصرتين هنا وفي المواضع الآتية كلمات لم تتضح لانتشار الحبر بسبب البلل الذي أصاب (هـ)، فالمثبت إكمال مقترح يستقيم به الكلام.
(¬٢) هو عبدة بن الطَّبيب (من مخضرمي الجاهلية والاسلام) في أبيات يرثي بها الصحابي قيس بن عاصم - رضي الله عنه -. انظر: «حماسة أبي تمّام» (١/ ٣٨٧).
(¬٣) الكلام السابق كلّه من (هـ)، ولم يذكره المجرّد وإنما قال: إن المؤلف ذكر «كلام المنذري إلى آخره». وليس كذلك، بل إن الكلام السابق متضمّن لبعض ما ذكره المنذري في «المختصر» (المخطوط) مع زيادة وتهذيب من المؤلف.

الصفحة 62