كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 1)

الملائكة ويجد ريح الجنّة، فَحُطّ من طوله ذلك إلى ستّين ذراعًا، فكان ذلك طوله حتى مات.
ولم يُجمع حسن آدم لأحد من ولده إلّا ليوسف، وأنشأ آدم يقول: ربّ كنتُ جارك فى دارك ليس لى ربّ غيرك، ولا رقيب دونك، آكل فيها رغدًا، وأسكن حيث أحببت، فأهبطتنى إلى هذا الجبل المقدّس، فكنتُ أسمع أصوات الملائكة وأراهم كيف يحُفّون بعرشك وأجد ريح الجنّة وطيبها، ثمّ أهبطتنى إلى الأرض وحططتنى إلى ستّين ذراعًا، فقد انقطع عنّى الصوت والنّظر، وذهب عنّى ريح الجنة.
فأجابه اللَّه، تبارك وتعالى: لمعصيتك يا آدمُ فعلتُ ذلك بك، فلمّا رأى اللَّه عُرْى آدم وحوّاء أمره أن يذبح كبشًا من الضأن من الثمانية الأزواج التى أنزل اللَّه من الجنة، فأخذ آدم كبشًا فذبحه، ثم أخذ صوفه فغزلته حوّاء ونسجه هو وحوّاء، فنسج آدم جُبّة لنفسه وجعل لحواء درعًا وخمارًا فلبساه، وقد كانا اجتْمعا بجَمْعٍ فسميّت جَمْعًا، وتعارفا بعرَفة فسميّت عرفة، وبكيا على ما فاتهما مائتى سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يومًا، ثمّ أكلا وشربا وهما يومئذ على نَوْذ، الجبل الذى أُهْبط عليه آدم.
ولم يَقْرَب حَوّاء مائة سنة، ثمّ قربها فتلقّت فحملت، فولدت أوّل بطن قابيل وأخته لبود توأمته، ثمّ حملت فولدت هابيل وأخته إقليما توأمته، فلما بلغوا أمَرَ اللَّه آدم أن يزوّج البطن الأؤل البطن الثانى، والبطن الثانى البطن الأوّل، يخالف بين البطنين فى النّكاح.
وكانت أخت قابيل حسنة وأخت هابيل قبيحة، فقال آدم لحوّاء الذى أُمِرَ به، فذكرته لابنيها، فرضى هابيل وسَخِطَ قابيل وقال: لا واللَّه ما أمر اللَّه بهذا قطّ، ولكن هذا عن أمرك يا آدم، فقال آدم: فقرّبا قربانًا فأيّكما كان أحقّ بها أنزل اللَّه نارًا من السّماء فأكلت قربانه، فرضيا بذلك.
فَغَدا (¬١) هابيل، وكان صاحب ماشية، بخير غذاء غنمه وزبْد ولبن، وكان
---------------
(¬١) فَغَدَا: تحرفت فى طبعتى إحسان وعطا إلى "فعدا".

الصفحة 19