كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 1)

قابيل زرّاعًا فأخذ طُنًّا من شرّ زرعه، ثمّ صعدا الجبل، يعنى نَوْذ، وآدم معهما، فوضعا القربان ودعا آدم ربّه، وقال قابيل فى نفسه: ما أُبالى أَتُقُبِّلَ (¬١) منى أم لا، لا ينكح هابيل أختىّ أبدًا، فنزلت النّار فأكلت قربان هابيل وتجنّبت قربان قابيل لأنّه لم يكن زاكى القلب، فانطلق هابيل فأتاه قابيل وهو فى غنمه فقال: لأقتلنّك! قال: لِمَ تقتلنى؟ قال: لأنّ اللَّه تقبّل منك ولم يتقبّل منّى وردّ علىّ قربانى ونكحتَ أختى الحسنة ونكحتُ أختك القبيحة، ويتحدّث الناس بعد اليوم أنّك كنت خيرًا منى، فقال له هابيل: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) إِنِّى أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة: ٢٩].
أمّا قَوله بإثْمى يقول: تأثم بقتلى إذا قتلتَنى إلى إثمك الّذى كان عليك قبل أن تقتلنى، فقتله فأصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ فتركه لم يُوَارِ جسده، {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِى الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} [سورة المائدة: ٣١].
وكان قتله عشية، وغدا إليه غُدوة لينظر ما فعل فإذا هو بغراب حىّ يبحث على غراب ميّت، فقال: {يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} [سورة المائدة: ٣١]، كما يُوارى هذا سَوْءةَ أخيه؟ فدعا بالويل، {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [سورة المائدة: ٣١].
ثمّ أخذ قابيل بيد أُخْتِه (¬٢) ثمّ هبط من الجبل، يعنى نَوْذ، إلى الحضيض، فقال آدم لقابيل: اذهب فلا تزال مرعوبًا أبدًا لا تأمن من تراه! فكان لا يمرّ به أحد من ولده إلّا رماه.
فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابن له، فقال للأعمى ابنه: هذا أبوك قابيل،
---------------
(¬١) ل "أَيُقْبَلُ" والمثبت من م.
(¬٢) ل "أخيه" والمثبت من م والطبرى. وعلق عليه الأستاذ شاكر بقوله: "الصواب ما فى المخطوطة "أُخْتِه" فهو بلاشك أخذ الجميلة توأمته (لبود)، لأنه كان سخط القسمة، حين زوجه آدم إقليما (القبيحة) أخت أخيه هابيل".

الصفحة 20