كتاب الطبقات الكبرى - ط الخانجي (اسم الجزء: 1)

فأدمت إصْبَعَه فقال: مَا هىَ إلّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ وَفى سَبيلِ اللَّهِ ما لَقِيَتْ، قال: فَحُمِلَ فَوُضِعَ على سرير له مرمول بِشُرُطٍ، ووضع تحت رأسه مِرفقة من أدمٍ محشوّة بليف، فدخل عليه عمر وقد أثّر الشريط بجنبه فبكى عمر، فقال: ما يُبْكيكَ؟ قال: يا رسول اللَّه ذكرت كسرى وقيصر يجلسون على سُرُر الذهب ويلبسون السُّنْدُس والإسْتَبرق، أو قال الحرير والإسْتَبْرَق، فقال: أمَّا تَرْضَوْنَ أنْ تَكونَ لَكُمُ الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدّنْيا؟ قال: وفى البيت أُهَبٌ لها ريح، فقال: لو أمرتَ بهذه فأُخرجت، فقال: لا، مَتاعُ الحَىّ، يعنى الأهل.
أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابى، أخبرنا أبو الأشهب قال: سَمعت الحسن قال: دخل عمر بن الخطّاب على رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرآه على حَصير أو سَرير، أبو الأشهب شَكّ، قال: أَراه قد أثّر بجنبه، قال: وفى البيت أهَبٌ عَطِنَةٌ، قال: فبكى عمر، فقال: مَا يُبْكِيكَ يا عُمَرُ؟ قال: أنت نبىّ اللَّه وكسرى وقيصر على أسِرّة الذهب، قال: يا عُمَرُ أمَا تَرْضى أنْ تَكُونَ لَهُمُ الدّنْيَا وَلَنَا الآخِرةُ؟ (¬١).
أخبرنا عبد الوهّاب بن عَطاء والفضل بن دُكين قالا: أخبرنا طلحة بن عمرو عن عطاء قال: دَخَلَ عمر بن الخطّاب على النبىّ، -صلى اللَّه عليه وسلم-، ذات يوم وهو مُضطجع على ضجاع من أدَمٍ، قال الفضل فى حديثه: محشوّ ليفًا، لم يَزِدْ على هذا، وزاد عبد الوهّاب: وفى البيت أُهَبٌ ملقاةٌ، فبكى عمر، فقال: مَا يُبْكِيكَ يا عُمَرُ؟ قال: أبكى أن كسرى فى الخزّ والقزّ والحرير والديباج وقيصر فى مثل ذلك وأنت نجيب اللَّه وخيرته كما أرى! قال: لا تَبْكِ يا عُمَرُ فَلَوْ أشَاءُ أنْ تَسِيرَ الجِبَالُ ذَهَبًا لَسَارَتْ، وَلَوْ أنّ الدّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَناحَ ذُبَابٍ مَا أعْطى كافرًا مِنْها شَيْئًا.
أخبرنا يحيَى بن عباد وهاشم بن القاسم قالا: أخبرنا المسعودىّ عن عمرو بن مُرّة عن إبراهيم عن عَلقمة عن عبد اللَّه بن مسعود قال: اضطجع رسول اللَّه، -صلى اللَّه عليه وسلم-، على حَصِير فأثّرَ الحَصِير بجلده، فلمّا استيقظ جعلتُ أمسحُ عنه وأقول: يا رسول اللَّه ألا أذِنْتَنا نَبسطُ لك على هذا الحصير شيئًا يَقِيك منه؟ فقال رسول
---------------
(¬١) أورده النويرى ج ١٨ ص ٢٨٩ - ٢٩٠.

الصفحة 401